بعد ساعات قليلة من تنفيذ المقاومة الفلسطينية عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأوّل من العام 2023، والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الذي مرّ عليه أكثر من 95 يوماً، كان أبرز سؤال يُطرح في مختلف الأوساط اللبنانية هو التالي: هل ستنتقل المواجهة بين المقاومة والعدو الإسرائيلي إلى لبنان، وكيف سيكون شكل هذه الحرب، وما هي تداعياتها ونتائجها؟
لم يطل الوقت كثيراً حتى اندلعت المواجهة الناريّة بمختلف أنواع الأسلحة بين المقاومة والعدو الإسرائيلي في جنوب لبنان، وهي وإنْ بقيت طيلة الفترة السّابقة تدور تحت سقف محدد وقواعد إشتباك معينة، فإنّها جعلت المناطق على طرفي الحدود في جنوب لبنان وفي شمال فلسطين المحتلة تعيش أجواء حرب حقيقية، كانت تتراكم تداعياتها وتأثيراتها يوماً بعد آخر، وتنذر بأن الآتي سيكون أعظم.
لكنّ هذا الإنطباع تبدّل كليّاً عندما خرق الإسرائيليون في الثاني من شهر كانون الثاني الجاري قواعد الإشتباك، من خلال إقدامهم على اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس صالح العاروري، في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، الأمر الذي اعتبره كثيرون تصعيداً خطيراً، وأنّ احتمال الذهاب إلى مواجهة عسكرية واسعة بين المقاومة والعدو الصهيوني بات خياراً مرجّحاً.
الوقائع الميدانية منذ ذلك الحين رجّحت كفّة تصعيد المواجهة، في ضوء الشّروط المتبادلة بين الجانبين، خصوصاً المقاومة في لبنان التي اشترطت أن يتوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة وجنوب لبنان قبل أيّ بحث آخر، وأن تبتعد قوات العدو عن الحدود نحو الداخل الفلسطيني المحتل مسافة تساوي المسافة التي طلبتها لإبعاد المقاومة عن الحدود الجنوبية، وانتشار قوات دولية على كلا الجانبين، وهو ما رفضه العدو، مهدّداً بأنّه لن يوقف الحرب قبل أن يحقق أهدافه منها، المعلنة وغير المعلنة.
وزاد الوضع تأزّماً وعيد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الإسرائيليين بالإقتصاص منهم والثأر لاغتيال العاروري، حيث ارتفعت بعد ذلك وتيرة المواجهة بين الطرفين، ما جعل إنطباعاً واسعاً يسود في مختلف الأوساط على أنّ “الميدان” وحده سيكون نقطة الحسم، خصوصاً في ضوء إرتفاع ملحوظ في المواجهة بين قوى محور المقاومة في سوريا والعراق واليمن مع القوات الأميركية وإسرائيل.
في المقلب الآخر، فإنّ جهوداً ديبلوماسية واسعة تجري لاحتواء الحرب الدائرة في قطاع غزّة وفي جنوب لبنان، وفي المنقطة، في ظلّ سباق ملحوظ بين خياري الحرب والتسوية، من غير أن تتضح حتى الآن ملامح المرحلة المقبلة التي تبدو مفتوحة على كل الإحتمالات، في ظلّ الشروط المتبادلة، وغياب أيّ صيغة حلّ يعتبرها أيّ طرف غير مقبولة منه إذا كانت لا تلبّي الحدّ الأدنى من مطالبه، المقاومة لتحقيق أهدافها في التحرير من نير الإحتلال وكسر شوكته، والعدو الإسرائيلي لاستمراره في فرض هيمنته مع حلفائه على دول وشعوب المنطقة.
Related Posts