يُدرك قادة العالم أن تدحرج الحرب على غزة وعلى لبنان الى مزيد من التصعيد قد يجعل الوصول الى تسوية أمر صعب للغاية، خصوصا أن الخسائر التي تلحق بالعدو الاسرائيلي الذي لا يتوانى عن الامعان في القتل والتدمير في غزة والضفة، وعن الاغتيالات وإستهداف البلدات الجنوبية في لبنان، سيمنع أي طرف من التراجع أو التنازل حرصا على ماء الوجه أمام مجتمعه وجمهوره.
العدو الاسرائيلي الذي يجر أذيال الخيبة منذ السابع من أكتوبر، فشل بعد تسعين يوما من بدء حربه المدمرة على غزة في تحقيق الأهداف التي وضعها لها، وهي القضاء على حماس وتحرير الأسرى بالقوة من دون مفاوضات، وهو يدرك أن وقف إطلاق النار من دون تحقيق أي إنجاز عسكري في الميدان أو في السياسة التي تقود حركتها الولايات المتحدة الأميركية يعني بداية النهاية لإسرائيل.
حركة المقاومة الاسلامية حماس التي إنتصرت في هذه الحرب بمجرد أن الاسرائيلي فشل في تحقيق هدفه بالقضاء عليها، تسعى للحصول على مكتسبات تستطيع أن تقدمها لأهل غزة كتعويض عن خسارتهم أبنائهم ومنازلهم ومؤسساتهم، وهي اليوم ترفض الاملاءات الصهيوأميركية، وتؤكد على ضرورة تنفيذ شروطها مقابل البدء بمفاوضات الأسرى، وهي وقف شامل لإطلاق النار، وتبييض السجون الاسرائيلية بالافراج عن كل المعتقلين الفلسطينيين، وإغراق غزة بالمساعدات على أنواعها والسماح بإعادة الإعمار، ويؤكد تمسك المقاومة الفلسطينية بهذه الشروط أنها ما تزال بعد تسعين يوما على جهوزيتها الكاملة.
المقاومة الاسلامية في لبنان التي بدأت في 8 أكتوبر بمساندة المقاومة الفلسطينية وبإرباك العدو الاسرائيلي الذي إضطر لحشد أكثر من ثلث قواته على الجبهة الشمالية، تتجه نحو حرب أهداف مع العدو الذي كسر قواعد الاشتباك غضبا عما يلحق به من خسائر نتيجة العمليات الدقيقة والمركزة التي تستهدف جنوده ومراكزه وآلياته، وأقدم على تنفيذ عملية إغتيال الشهيد الشيخ صالح العاروري في الضاحية الجنوبية، ومن ثم تنفيذ عملية إستهداف القيادي في حزب الله الشهيد وسام الطويل، فجاء رد المقاومة بإستهداف أحد أهم أبرز القواعد الاسرائيلية الاستراتيجية وهي “ميرون” في جبل الجرمق بـ 62 صاروخا، ومقر قيادة المنطقة الشمالية التابع لجيش العدو (قاعدة دادو) في مدينة صفد المحتلة بعدد من المسيرات الهجومية الانقضاضية، وذلك كرد أولي على عملية إغتيال العاروري وإستهداف الطويل.
ولا شك في أن المقاومة أرادت من العمليتين النوعيتين التأكيد على أنها تمتلك كل المعلومات والاحداثيات عن القواعد والمراكز العسكرية الاسرائيلية المتواجدة تحت نيرانها، وأن أي حماقة إسرائيلية جديدة في كسر قواعد الاشتباك أو تجاوز الخطوط الحمر ستواجه بعمليات من هذا النوع، تنحصر في الاطار العسكري وتعزز من قوة الردع، وتمنع بالتالي الاسرائيلي من التذرع بهذه العمليات لشن حرب على لبنان، خصوصا أنها لم تستهدف مدنيين، وفي حال قرر ذلك، فإن المقاومة ستكون بكامل جهوزيتها للرد وهي وبحسب المعلومات لم تستخدم حتى الآن نحو 5 بالمئة من قدراتها العسكرية.
أمام هذا الواقع المتأزم، تستمر الزيارات والاتصالات المفاوضات بين الولايات المتحدة الأميركية ودول المنطقة للوصول الى قواسم مشتركة يمكن البناء عليها، خصوصا بعدما أدرك الجميع أن إستمرار الحرب لن يفضي الى أية نتائج جديدة، وأن كل يوم إضافي من المواجهات سواء في فلسطين أو في لبنان من شأنه أن يؤدي الى مزيد من التعقيد ورفع الشروط.
ولا شك في أن الطروحات تضع من يقود هذه المفاوضات وخصوصا الأميركي أمام مأزق كبير، كونه ما يزال غير قادر على إقناع إسرائيل بالانتقال الى المرحلة الثالثة من الحرب بإعتماد الأعمال الأمنية بدلا من الأعمال العسكرية وبالتالي وقف إطلاق النار، إضافة الى عجزه عن تسويق بعض التسويات التي تعتبرها حماس بأنها تُفرض على مهزومين، بينما المقاومة في غزة لم تهزم.
وفي ظل الغطرسة الصهيونية والإنقياد الأميركي لإسرائيل، وقدرة المقاومة الفلسطينية على الصمود والتصدي، يلوح في الأفق القرار 1701 حيث تعتبر إسرائيل أنه لا يمكن أن يعود المستوطنون الى المستوطنات التي أخلوها في شمال فلسطين نتيجة إشتعال جبهة الجنوب اللبناني، من دون تطبيقه بالكامل على الصعيد اللبناني، في وقت يطالب فيه لبنان بأن تبادر إسرائيل الى تطبيقه بالإنسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة، مع التأكيد بأن لا حديث في هذا القرار قبل أن يحصل وقف إطلاق النار في غزة، فهل تبدأ الحلول من جبهة الإسناد الجنوبية وصولا الى غزة؟..
Related Posts