إذا كانت دوائر دار الفتوى في الجمهورية اللبنانية تدرك جيداً ردود الفعل على زيارة السّفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا إلى الدار، وحدّدت لها موعداً، فتلك مصيبة، وإذا كانت غير مدركة لردود الفعل على الزيارة، وحدّدت للسفيرة موعداً، فالمصيبة عندها تكون أعظم.
فعندما أعلنت دوائر دار الفتوى، يوم أول من أمس، أنّ مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان سيلتقي السفيرة شيا في دار الفتوى عند السّاعة العاشرة من صباح اليوم الخميس (9 تشرين الثاني 2023)، ظنّ البعض للوهلة الأولى أنّ خطأ بروتوكولياً ما أو مطبعياً قد حدث، ذلك أنّ فتح المفتي أبواب الدار أمام السفيرة شيا بينما الشّارع الإسلامي يغلي غضباً ونقمة على المجازر الوحشية التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في حق الأهالي خلال عدوانه على قطاع غزّة منذ أكثر من شهر ونيّف، بدعم وإسناد كبيرين من الولايات المتحدة على وجه التحديد، سياسياً وعسكرياً ومالياً وإعلامياً، فإنّ ذلك تصرّف لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام.
حدس كثيرين على ردّ فعل الشّارع تجاه الزيارة بعد الإعلان عن موعدها، وتوقعهم لما سيحصل، كان صائباً. إذ لم يكد يمضي إلّا بعض الوقت على تحديد زيارة شيا إلى دار الفتوى حتى ضجّت منصّات مواقع التواصل الإجتماعي المختلفة بدعوات عديدة تناقلها روادها، طالبت أهالي عائشة بكّار (حيث مقر دار الفتوى) وبيروت والشّرفاء في لبنان بقطع الطريق أمام السّفيرة الأميركية ومنعها من القيام بزيارتها.
وبالفعل لم تكد السّاعة تقترب من التاسعة، أيّ قبل ساعة من موعد زيارة شيا، حتى كانت حشود المواطنين تتكاثر أمام مدخل الدار، رجالاً ونساء، معلنين رفضهم زيارة السّفيرة الأميركية، رافعين العلم الفلسطيني ومردّدين هتافات تدعم المقاومة في غزة، إضافة إلى دوسهم أعلاماً أميركية وإسرائيلية بأقدامهم، قبل أن يقوموا بحرقها، وسط إنتشار أمني واسع، ما دفع السفيرة شيا ـ إزاء ما يحصل على الأرض من تطورات واعتراضات ـ إلى إلغاء زيارتها لدار الفتوى، وفق ما أوضح المكتب الإعلامي في الدار في بيان.
البيان المذكور تضمّن إلى ذلك مواقف المفتي دريان ممّا يحصل في قطاع غزة، من “تضامن” مع أهله، و”ضرورة إيقاف الدعم الأميركي للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة”، لكنها مواقف لم تكن كافية برأي كثيرين، إعتبروا أنّ مجرد قبول المفتي إستقبال شيا خطأ جسيماً، وأنّه لو اتخذ موقفاً برفضه إستقبالها إلّا بعد وقف العدوان على غزة، بعد المجازر الوحشية التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي منذ بدء العدوان قبل 35 يوماً، بحقّ الأطفال والنساء والمستشفيات والمدارس والمنازل والمساجد والكنائس، لكانت جموع من المواطنين قد إحتشدت أمام دار الفتوى تهتف له، لكنّه لم يفعل!.
Related Posts