على وقع تفاقم الازمات وتشعبها، يتحضر الفراغ الرئاسي لاطفاء شمعته الأولى، محاطاً بأجواء سلبية لا تبشر بقرب الحل، حتى من الخارج الذي كان البعض يراهن عليه. اذ أظهرت النتائج التي ضمّنها المبعوث الفرنسي جان ايف لودريان في التقرير الذي رفعه الى أعضاء اللجنة الخماسية المعنية بالشأن اللبناني إنسدادا في أفق الحل، ومما زاد الطين بلة التباين الذي حصل بين أعضاء اللجنة والذي وصلت اصداؤه الى الجمعية العامة للأمم المتحدة.
امر واحد يُجمع عليه القاصي والداني وهو ضرورة ان يتحاور الافرقاء اللبنانيون فيما بينهم للخروج من المأزق الذي يغرقون ويُغرقون البلاد معهم فيه. وان كان لكل طرف نظرته للحوار فالبعض يريده لبنانياً بحتاً من دون تدخلات او وساطات لا خارجية ولا عربية ولا اجنبية، فيما البعض الآخر يريده حواراً يلبي طموحات الخارج في نظرته الى لبنان فتراه يسارع الى وضع الشروط قبل اعلان موافقته عليه او يعلن رفضه له منذ الأساس.
المعضلة الأكبر في كل ما يدور على الساحة الداخلية، هي ان الجميع يعتقد انه يملك ترف إضاعة الوقت واطالة امد الاخذ والرد في الطروحات والطروحات المضادة، متناسين ان البلاد انحدرت الى الدرك الأسفل اقتصادياً، اذ لم تعد لدى الناس القدرة على شراء حتى السلع الأساسية لعائلاتها.
يبدو واضحا بعد الخلاف الذي شهده اجتماع اللجنة الخماسية بسبب الأدوار المنوطة بكل جهة، ان لبنان يقف على مفترق طرق حول. بين من يدعم دعوة الحوار التي اطلقها رئيس مجلس النواب نبيه بري وهو حوار “لبناني” دعمته وتحدثت عنه بعض الدول لا سيما اميركا التي قالت على لسان نائبة وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند أن أميركا تدعم أي حوار لبناني ـ لبناني”.
وبين من يريد ان يضع لبنان على لائحة الانتظار، الامر الذي سيؤدي حتما الى اطالة امد الازمة بانتظار اتمام التسويات في المنطقة ومعالجة الملفات الاهم بالنسبة للدول الكبرى. غير ان ما غاب عن بال مؤيدي خيار تأجيل الحل، ان باب التسوية يوم يُفتح قد لا يأتي لمصلحتهم خاصة وانه كما بات معروفاً، فإن لبنان وعلى مر العهود يقدم كهدية لمن تأتي النتيجة النهائية لمصلحته.
واما المفترق الثالث فيتمثل بالمعارضة السلبية، التي يسعى مريدوها الى تفكيك البلد لاعادة بنائه على قياسهم في محاولة انتحارية جديدة دفعوا ثمنها غالياً أيام الحرب الاهلية ولمّا يعتبروا. ولادراكهم بأن ركيزة التفكيك هو الفتنة الداخلية، يعمدون الى عرقلة عقد الجلسات الحكومية الضرورية وحتى المشاركة بها، كما يتغيبون عن الجلسات التشريعية للبرلمان والمخصصة لاقرار القوانين الإصلاحية، ناهيك عن تمترسهم خلف اثارة الغرائز والنعرات واستخدام الخطاب الطائفي التجييشي في محاولة منهم لاختلاق المشاكل الداخلية في مختلف المناطق او ما يسمى ب “ميني حرب أهلية”.
اذاً، امام من يريد الحوار ومن يعارضه لهذا السبب او ذاك، يبقى الرهان على وعي من بقي من “رجال دولة” في زمن ندرت فيه هذه الخامة، لاعادة تصويب المسار السياسي في البلاد بدءاً بانتخاب رئيس للجمهورية وصولاً الى تشكيل حكومة تكون قادرة على تنفيذ خطة انقاذية تعيد للبنان عافيته ووهجه.
Related Posts