لطالما كان لبنان محكوماً بالحوار، فمنذ تاريخ تحرره من الاحتلالات والانتدابات حتى يومنا هذا، وحده الحوار كان سيد المواقف بل اكثر من ذلك، حتى في أيام الحرب العبثية لعبت الحوارات غير المباشرة بين مختلف الافرقاء الدور الرئيسي في اخماد نيران الاشتباكات وإعادة الحياة الى مجاريها.
وحده رئيس مجلس النواب نبيه بري، العالم بخفايا هذا الكيان واسراره، يدرك أهمية جلوس كل القوى الى طاولة واحدة واضعين خلافاتهم الشخصية ومصالحهم الآنية جانباً لاجل إيجاد تسوية تنهي الفراغ الرئاسي وتنتشل البلاد من المستنقع الذي تغرق فيه.
وقد لاقاه في ذلك البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي شدد في عظة الاحد على ضرورة الذهاب الى حوار بدون شروط مسبقة.
اللافت في الامر، ان حزبيّ القوات والكتائب ومعهما بعض مدعي السيادة، هم من رفضوا الدعوة الى الحوار متذرعين بعدم دستوريتها. وشنوا في الوقت عينه حملة ضد رئيس المجلس وسيد بكركي، متهمين الأخير بالانحياز الى الفريق الآخر أي الثنائي الشيعي وحلفائهما.
وفي تصعيد جديد من نوعه اتجه جعجع في كلمته التي القاها في قداس ذكرى شهداء المقاومة اللبنانية، الى استخدام مفردات وتعابير تحريضية يمكن ان تؤدي الى حرب أهلية، وتعكس ما يضمره قائلها، هو الذي يحاول في كل مرة الوقوف في وجه اية مبادرة تطلق وعرقلتها بأي ثمن.
وبعكس كل ما يحاول فريق المعارضة اشاعته، فقد نجحت مبادرة بري بتحريك المياه الرئاسية الراكدة منذ فترة، تدعمها في ذلك زحمة ديبلوماسية بدأها الموفد الأميركي آموس هوكشتاين، تحصّن من ثباتها تصريحات وزير الخارجية الإيرانية حسين امير عبد اللهيان الذي دعا المسؤولين في لبنان والأحزاب والقوى السياسية إلى تسريع وتيرة التوصل إلى اتفاق بشأن انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل الحكومة، على اعتبار ان الانتخابات الرئاسية شأن داخلي لبناني بحت. بانتظار ما سيتكشف بعد زيارة كل من الموفد القطري هذا الاسبوع، والمبعوث الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان الاثنين المقبل.
تزامناً، يرجح البوانتاج الاولي كفة السير بالحوار على رفضه، ربما لادراك معظم الافرقاء ضرورته لا سيما وان الازمة الاقتصادية قد اشتد خناقها والناس “ما بقا تحمل”. ورغم عدم تبلور اية معطايات عن تاريخ الحوار وبنوده، غير انه سيُسخّر لخدمة المصلحة الوطنية، خاصة وانه يأتي ليتكامل مع المبادرة الفرنسية ومع توصيات اجتماعات اللجنة الخماسية، وستعقد جلساته تحت قبة البرلمان اللبناني لان هذا ما يقتضيه الدستور والسيادة اللبنانيين.
اذاً، لم تنجح محاولات المعارضة في نسف مبادرة “مهندس الجمهورية”، ولا في انشاء جبهة مسيحية ضدها كما جرت العادة. فالحوار سيكون شاء من شاء وابى من ابى، وقطار الخطة الانقاذية بات على السكة الصحيحة. فهل يعي المعارضون فداحة خطئهم ويشاركون في حوار يوصل الى انتخاب رئيس يعيد الانتظام للحياة السياسية ام انهم جاهزون لتحمل مسؤولية الانهيار التام؟
Related Posts