شيعت الصحافة اللبنانية والعربية وبلدة شمسطار ناشر “السفير” الصحافي طلال سلمان، في موكب مهيب انطلق من دارته إلى مدافن العائلة.
رحل طلال سلمان عن عمر ناهز ال85 عاما، فترجل الفارس عن صهوة الحروف التي كانت طوع بنانه، لتوجيه البوصلة نحو قضايا الحق والإنسانية، رحل “صوت الذين لا صوت لهم”، في ديار العرب وفي كل ساح. رحل من انتظرنا طيلة عقود مقالاته “على الطريق” مع قهوتنا الصباحية، لتضخ فينا العزم والعزيمة، ولتصقل لدينا ملكة الأسلوب السهل الممتنع. رحل “أبو أحمد” صاحب مدرسة “السفير” التي تميزت بفرادة أسلوبها في كل مجال. رحل طلال جسدا ولكن روحه التواقة إلى الحرية، والمتجذرة في الأرض، والمتعملقة نحو المجد المرتجى، والمتكئة على تراثنا الأصيل، ستبقى وهاجة تنير دروب مهنة المتاعب، التي تحمل قضايا الناس وهمومهم وهواجسهم وآمالهم وتطلعاتهم. نم قرير العين يا عميد الصحافة الأبية، فقد تتلمذ على مقالاتك الكثير ممن تغرف أقلامهم من حبر العزة والكرامة والعنفوان.
وقد أقيم لفقيد الصحافة اللبنانية والعربية حفل تأبين في بلدته شمسطار، شارك فيه ممثل رئيس مجلس النواب نبيه بري النائب غازي زعيتر، وممثل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وزير الزراعة عباس الحاج حسن ، ووزير الاشغال علي حمية،وعدد كبير من النواب ، نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي، الوزيران السابقان عيد الرحيم مراد ونهاد المشنوق، نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب على رأس وفد علمائي، نقيب الصحافة اللبنانية عوني الكعكي، والصحافي غسان ريفي ممثلاً نقابة محرري الصحافة في لبنان، المدير العام السابق للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، رؤساء تحرير وممثلو صحف لبنانية وعربية، وفاعليات.
وتحدث الشيخ الخطيب، فقال: “يا أسرة فقيد الكلمة الحرة، وفقيد الرجال الأحرار، وفقيد قضايا الأمة الحرة والموقف الحر، كيف أعزيكم وبماذا أعزيكم، وهل من عزاء لهذا الفقد المصاب الجلل سوى الصبر؟ ولولا أن علمنا الله تعالى وعرفنا أن نقول في أمثال هذه المواقف إنا لله وإنا إليه راجعون، لما كان من كلمة تصلح عزاء لفقد الأعزاء والاحباء ومن نحترم من الرجال الأحرار الأوفياء لقضاياهم الوطنية والقومية والاسلامية، لضمائرهم الحية، لمن أعاروا الله وضمائرهم كلمة الحق والصدق والموقف حين تعز المواقف، حين تكون الكلمة جهادا وتضحية وشهادة، بل أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر”.
وتابع: “لقد قلتها كلمة حق في وجوه الجائرين حين كان بياعو الكلمات وتجار القضايا والضمائر والأوطان والشرف لسلاطين المال والجور تلاميذ يهوذا الأسخريوطي عباد المال الجبناء عديمي القيم البارعين في إثارة الفتن والمصطادين في كل مستنقع قذر، الذين خانوا رسالة الاعلام، وباعوا المسؤولية الوطنية والإنسانية في سوق القذارة دون وخز من ضمير أو اعتبار لقيم أو أخلاق وما زالوا يفجرون ويعهرون. عفوا منك أبا أحمد فهي شقشقة هدرت ثم قرت فالمناسبة حزينة”.
وأضاف: “ما أكبر خسارتنا بك، ولكن القضايا التي اعطيتها كلك وناضلت من اجلها بمسؤولية لن تهزم ولن تموت، ففلسطين التي جعلتها قضيتك ستعود قضية الأمة، والمقاومة التي أسسها إمام المقاومة السيد موسى الصدر وناصرتها بفكرك وقلمك ستنتصر رغم تآمر المتآمرين وتخاذل المتخاذلين وتضليل المضللين في هذا الزمن الرديء، عرضك للاغتيال، لاغتيال القضايا التي سخرت لها فكرك وقلبك مدافعا عنها ومنتصرا لها”.
وأكد أن “الوطن سيبقى أكبر من كل تجار الهيكل، سيعود وطنا نهائيا لكل بنيه، بلد المواطنة، لا تجار الطائفية الذين أرادوه قزما على قدرهم، وتمرة أرادوا أكلها جشعا بلا جوع، هذا ماء آجن ، ولقمة يغص بها آكلها”.
وأردف: “سيكبر يا أبا أحمد وعي اللبنانيين صغارا وكبارا، ليكونوا مستحقين أن يكون لبنان وطنا لهم يخلعون عن رقابهم نير عبودية العبيد، ويتحررون من زنازين الطائفية، ليكون رسالة الإسلام والمسيحية ومنبرها الحضاري إلى العالم”.
وختم الخطيب: “لا تعوض خسارتنا بك يا ابا أحمد، طبت حيا وميتا بل حيا حيا فأمثالك لا يموتون”.
وألقى كلمة العائلة نجل الفقيد أحمد طلال سلمان، مؤكدا أن الراحل “كان متمسكا بحب الناس، ومعهم ولأجلهم مضى في طريق مكافحة الظلم، والنضال في سبيل الحق”.
وتابع: “فبالصبر والدراية والإيمان بالغد، واجه أشواك الطريق كلها، وعلى الطريق لم يعرف الفتى النحيل الأسمر الغربة في القرى والمدن والعواصم التي زارها كلها. وبالحب، حب الناس بألوانهم ومللهم كلها عاش بقاعيا، جبليا، شماليا، جنوبيا، وبيوتيا، ومصريا وسوريا وعراقيا ويمنيا، وقبل كل ذلك وبعده فلسطينيا”.
وأكد أنه “لم يتوان عن مواجهة الظلم الذي لم يتوان عن محاولة إسكاته باستباحة دمه مرارا”.
وختم سلمان: “اليوم حان أوان الرحيل في عز الغربة والظلم، مع أنك ستبقى حيا في كل ما يشبهك ويشبه ناسك، والطريق ما زالت طويلة وشاقة. على الرغم من فداحة الفقدان تبقى لنا الكلمات التي زرعتها في وجداننا على امتداد عقود”.
وأم الشيخ الخطيب الصلاة على الجثمان الذي ووري في ثرى بلدته التي أحب شمسطار.
Related Posts