إذا كانت الرسالة تقرأ من عنوانها، فيبدو أن عنوان المرحلة المقبلة على الصعيد المالي إيجابي لجهة عدم تفلت سعر صرف الدولار من عقاله، وذلك بفعل الانتقال السلس للمسؤوليات في حاكمية مصرف لبنان بعد إنتهاء ولاية الحاكم رياض سلامة، وتسلم نائبه الأول وسيم منصوري بمؤازرة النواب الثلاثة، ونتيجة الجهود المثمرة التي بذلها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي تعاطى مع هذا الملف بمسؤولية وطنية نجح من خلالها في إحتواء الأزمة وتصفير تداعياتها السلبية بعدما كانت تهدد بجنون للدولار ومن دون سقف.
في خضم الأزمة المالية وخطر بلوغ الارتطام الكبير، كانت بعض التيارات السياسية تسعى الى إستخدام حاكمية مصرف لبنان لتصفية الحسابات السياسية والشخصية وتسجيل النقاط من دون الأخذ بعين الاعتبار النتائج الكارثية لانتهاء ولاية سلامة وإستقالة نواب الحاكم وذهاب المركزي الى تصريف الأعمال بقوة القانون وإلغاء منصة صيرفة، حيث توقع بعض الخبراء الاقتصاديين أن يسفر ذلك عن بلوغ الدولار عتبة الخمسمئة ألف ليرة لبنانية في زمن قياسي، ما يعني تلاشي رواتب القطاع العام من جديد وإنهيار الدولة ومؤسساتها بالكامل، ودخول اللبنانيين زمن المجاعة الحقيقية.
في غضون ذلك، تجاوز الرئيس ميقاتي الشعبوية السياسية والضجيج الاقتصادي والحواجز والعراقيل التي حاول البعض وضعها بهدف إسقاط الدولة عن سابق تصور وتصميم، وعمل على إحتواء هذا الملف المتفجر ونزع كل الصواعق منه، فطرح بداية تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، لكن الاعتبارات السياسية أسقطته فسارع الى الانتقال نحو الخطة باء التي تتضمن تطبيق قانون النقد والتسليف بتسلم الحاكم الأول مهام رياض سلامة بالتعاون مع نواب الحاكم الذين كانوا مجتمعين يتخوفون من تحمل هذه المسؤولية ويجدون في الاستقالة تهربا منها أقله في عدم تحميلهم تبعات ما قد يشهده سوق القطع إعتبارا من أول آب.
على مدار ثلاثة أيام متتالية إستخدم ميقاتي كل ما لديه من مهارات الاقناع، وقدم ما يستطيع تقديمه من ضمانات وتطمينات واعدا نواب الحاكم الأربعة بالسير على نهج محدد وبتأمين التغطية الحكومية لهم، وباصدار التشريعات المطلوبة التي تقونن عملهم وتعزز من مصداقيتهم وتخدم الخطة الموضوعة من قبلهم والتي تتناغم مع خطة الحكومة لجهة المشاريع الاصلاحية التي أرسلتها الى مجلس النواب، فضلا عن التعهد بتلبية طلب منصوري بإقرار تشريع يجيز للحكومة الاقتراض بالعملة الأجنبية من مصرف لبنان على أن ترد هذه الأموال خلال فترة زمنية محددة..
وقد نجح ميقاتي بعد ثلاث جلسات في تبديد هواجس نواب الحاكم وفي إقناعهم بالعدول عن فكرة الاستقالة والمضيّ في تحمل المسؤولية، محققا بذلك خرقا مهما جدا في جدار الأزمة ساهم في تنفيس الاحتقان المالي ومنع الانفجار في سوق القطع، وتأمين إستمرارية المرفق العام بقيادة نائب الحاكم الأول وسيم منصوري الذي عرض لتفاصيل خطته في مؤتمر صحافي صباحا، ومن ثم قدمها في مجلس الوزراء عصرا، وبحسب وزير الاعلام زياد مكاري فإن منصوري “طلب مساعدة الحكومة التي رحبت بذلك.
طويت صفحة رياض سلامة في مصرف لبنان بهدوء تام، حيث يتسلم الحاكم الأول منصوري مهامه إعتبارا من اليوم، بينما الجهود ستنصب على تعبيد طريقه بتطبيق القوانين وبإصدار التشريعات من مجلس النواب التي تجيز للحكومة الاقتراض من مصرف لبنان بالعملة الأجنبية، في حين يُفترض بكل التيارات السياسية أن تعترف للرئيس نجيب ميقاتي بأنه شكل صمام أمان للبلاد والعباد ونجح مرة جديدة في إبعاد كأس الارتطام الكبير عن لبنان.
Related Posts