برغم مرور 35 سنة على ما قاله المبعوث الأميركي إلى لبنان ريتشارد مورفي إلى بعض الأطراف في لبنان قبل انتهاء ولاية الرئيس الأسبق للجمهورية أمين الجميل عام 1988، من أنّ عليهم إنتخاب النائب الراحل مخايل الضاهر رئيساً جديداً للجمهورية أو الفوضى، يكاد التاريخ اليوم يجدد نفسه مرة أخرى، ولو اختلفت الظروف والمعطيات والأشخاص والأزمنة.
قبل 35 سنة تقريباً، وفي عزّ الحرب الأهلية، تعذّر إنتخاب رئيس للجمهورية خلفاً للجميل، بعدما عطّل حزب القوات اللبنانية جلسات الإنتخاب إثر منعه نواباً مقيمون في “المنطقة الشّرقية” حينها، الخاضعة لنفوذها، من حضور الجلسات التي كان الرئيس الراحل سليمان فرنجية، مرشحاً لانتخابه مجدّداً، فأرسلت الإدارة الأميركية عامها مورفي مبعوثاً إلى لبنان لمعالجة الأزمة، وبعد جولات عدّة أبلغ مورفي أطرافاً لبنانيين، من بينهم القوّات اللبنانية، أنّ ثمّة إتفاقاً جرى التفاهم عليه بين كلّ من الرئيسين الراحلين، السّوري حافظ الأسد والأميركي رونالد ريغان، يقضي بانتخاب نائب عكّار حينها مخايل الضاهر رئيساً للجمهورية، منعاً لحصول فراغ في سدّة الرئاسة الأولى، وإلّا فإنّ عليهم تحمّل تبعات الفوضى التي بدأت تلوح في الأفق.
يومها، إختار معارضو إنتخاب الضاهر رئيساً الفوضى، التي أدخلت لبنان حينها في المجهول، وفي انقسام البلاد بسبب وجود حكومتين فيه، وحروب إستنزاف بين القوّات اللبنانية وقائد الجيش حينها ميشال عون، وبين الأخير والقوات السّورية العاملة في لبنان، لم تنتهِ إلّا بعد تدخّل عربي ودولي رفيع المستوى، أدى إلى ولادة إتفاق الطائف في عام 1989، وإنهاء الحرب الأهلية في عام 1990، برعاية مثلثة الأضلاع: أميركية وسورية وسعودية.
اليوم يكرّر التاريخ نفسه، وبشكل تمتزج فيه المأساة بالكوميديا السّوداء، إذ يُصرّ أطراف لبنانيون، أبرزهم القوّات اللبنانية (مجدّداً) والتيّار الوطني الحرّ، وآخرين، على رفض إنتخاب رئيس تيّار المردة سليمان فرنجية (حفيد الرئيس الراحل) رئيساً جديداً للجمهورية، وإنهاء الفراغ في منصب الرئاسة الأولى الممتد منذ 10 أشهر.
فالمبعوث الدولي تغيّر من أميركي إلى فرنسي، ومن ريتشارد مورفي إلى جان إيف لودريان، والأخير لم ينتظر طويلاً حتى يُخبر من التقاهم أنّ عليهم إنتخاب رئيس جديد على جناح السّرعة. وقال لهم بوضوح، في جولته الثانية عليهم، أنّه يقترح عقد جلسات تشاور في مقر سفارة بلاده في قصر الصنوبر خلال شهر أيلول المقبل، للبحث في الأزمة الرئاسية، على أن يعقد بعدها مجلس النوّاب جلسات متتالية لا تنتهي إلّا بانتخاب الرئيس العتيد، وصولاً إلى حدّ إبلاغهم بعبارة صريحة وواضحة، بما يشبه التهديد أو التلويح بـ”نفض اليد” من لبنان، بأنّ مسعاه هذا سيكون الأخير، وأنّ “عليكم بعدها أن تتدبروا أموركم بأنفسكم”، كما نُقل عنه قوله لهم.
كل ذلك يدفع للتساؤل: هل لبنان على أعتاب فوضى شبيهة بفوضى عام 1988، وهل بعد 35 عاماً لم يتعلم اللبنانيون، وتحديداً بعض قادتهم، من دروس التاريخ شيئاً؟
Related Posts