لماذا تراجعت ″القوات″ عن تأييد تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان؟!… غسان ريفي

تتفلت مواقف كثير من التيارات السياسية من عقالها، بفعل التناقض الناتج عن التخبط وإعطاء الأولويات رغم كل الأزمات التي ترخي بثقلها على البلاد والعباد لتحقيق المصالح الشخصية بهدف إستثمار ذلك شعبيا والاستفادة منه في الاستحقاق الرئاسي الذي بات بفعل الانقسامات العمودية يحتاج الى معجزة لاتمامه.

كل شيء في لبنان معطل، بفعل الشغور الرئاسي، والمؤسسات الأساسية تتجه نحو الفراغ، والتيارات السياسية تتحين الفرص للحصول على بعض مكاسب الوقت الضائع وتطلق مواقفها في هذا الاتجاه وتتراجع عنها عندما تدعو الحاجة، فتتعاطى مع حكومة تصريف الأعمال على القطعة، ولا تثبت على موقف مهما كان حجمه أو تأثيره في المعادلة الوطنية، وتقول الشيء وعكسه، ما يشير بوضوح الى أن الأكثرية السياسية تقارب القضايا الملحة من منطلق شخصي بحت، وليس بحسب ما تقتضيه المصلحة الوطنية العليا.

حتى الأمس القريب، كان رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع يُنظّر في حق الحكومة بتعيين حاكم جديد لمصرف لبنان ويُقدم التبريرات ويُصرّ على ذلك، لأن مؤسسة كمصرف لبنان لا يجوز أن تبقى من دون رأس، بما يجعل برأيه هذا التعيين شرعيا ودستوريا بالرغم من إعتراض البعض عليه، وبالرغم من إعتراضه شخصيا على إجتماعات سابقة للحكومة.

تشير المعلومات الى أن إصرار جعجع على التعيين جاء على خلفية أن أحد أبرز المرشحين لمنصب حاكم مصرف لبنان يعتبر من المقربين إليه، بما يمنحه أول إنتصار على التيار الوطني الحر بعد إنتهاء عهد الرئيس ميشال عون ويفتح الباب أمام القوات للدخول الى رأس الهرم المالي، لكن الاسم الذي كان جعجع يمني النفس بتعيينه، جوبه برفض العديد من المكونات السياسية الذين إما عارضوا منطق التعيين، أو طالبوا بتقديم أسماء أخرى يمكن أن ترضي كل الأطراف.

اليوم، وبعد وضع حاكمية مصرف لبنان على نار حامية، أعلنت القوات اللبنانية رفضها المطلق لتعيين حاكم جديد لمصرف لبنان لأن التعيين من قبل حكومة تصريف الأعمال وفي ظل عدم وجود رئيس للجمهورية هو أمر غير دستوري وغير شرعي، متراجعة بذلك عن موقفها السابق المسجل صوتا وصورة وملتحقة بالتيار الوطني الحر الرافض للتعيين والتمديد، وذلك ضمن المنافسة الشرسة القائمة بينهما في إستمالة الشارع المسيحي حيث يتحين كل منهما الفرصة عند كل إستحقاق للتقدم بموقف شعبوي يعارضه الأول في البداية، ثم يلتحق به خشية أن يكون له إنعكاسا إيجابيا على الشارع المسيحي، تماما كما حصل في أزمة تقديم الساعة، وفي الموقف من الحوار ومن الاستحقاق الرئاسي، وغير ذلك.

تشير مصادر سياسية مطلعة الى أن المواقف المتناقضة للقوات اللبنانية تدل على حجم الأزمة التي تعيشها، بفعل عدم قدرتها على إيصال مرشح قريب منها الى رئاسة الجمهورية، علما أن كل المواقف الصادرة عن نواب وقيادات القوات تؤكد أن سمير جعجع هو المرشح الطبيعي والجدي والأقوى.

ورغم ذلك بحسب هذه المصادر، فإن القوات رفضت في البداية مرشح التيار الوطني الحر جهاد أزعور، ثم تراجعت عن موقفها وتبنت ترشيحه ضمن خطة جمع 65 صوتا له لخلق أزمة وطنية بإعلانه رئيسا للوصول بعد ذلك الى تسوية معينة قد تعيد إنتاج الفرص الرئاسية من جديد، قبل أن تبوء هذه الخطة بالفشل.

في غضون ذلك، وجدت القوات أن الفرصة مؤاتية للمجيء بحاكم مصرف لبنان قريب منها، فسارعت الى تأييد التعيين، قبل أن تنقلب على موقفها الذي إصطدم بموقف حاسم وحازم لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي أكد أن “لا تعيين ولا تمديد في حاكمية مصرف لبنان وإنما تنفيذ لقانون النقد والتسليف”، ما قطع الطريق على الاستثمار في هذا الاستحقاق والدخول مجددا في الهرطقات الدستورية.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal