خلال إستقباله في الاليزيه قبل ثلاثة أسابيع، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مخاطبا البطريرك الماروني بشارة الراعي: “على المسيحيين في لبنان أن يقرأوا التطورات الايجابية في المنطقة بشكل جيد”.
يبدو أن رسالة ماكرون لم تلق أي صدى لدى التيارات المسيحية التي ما تزال تتمسك بـ”التقاطع الهجين” الذي يهدف فقط الى قطع طريق رئاسة الجمهورية على رئيس تيار المرده سليمان فرنجية، ما يجعل البلد يدور في حلقة مفرغة، ويعيش حالة من المراوحة القاتلة التي باتت ترخي بثقلها على الداخل وعلى الخارج الذي يكاد يفقد الأمل من إمكانية الحل بعد فشل جيش الموفدين والمساعي التي بذلت منذ ما قبل إنتهاء عهد الرئيس ميشال عون.
لا شك في أن التقاطع المسيحي وإن لم يكن على مرشح جدي، إلا أنه أوجد نوعا من التوازن في مجلس النواب يجعل من التفاوض أمرا حتميا بين التيارات السياسية، وإلا فإن الشغور الرئاسي سيمتد حتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة، خصوصا أن الجميع بات على قناعة راسخة بأن أي فريق سياسي بمفرده لا يمكن أن يأتي برئيس جديد للجمهورية.
هذا الواقع يطرح سلسلة تساؤلات لجهة: هل يمكن لهذه التيارات المتناحرة أن تتفاوض فيما بينها؟، وعلى ماذا سيكون هذا التفاوض؟.. على ذهاب الجميع الى الحوار من دون قيد أو شرط؟ أم على إنتخابات نيابية مبكرة من شأنها أن تعيد تكوين السلطة التشريعية بشكل يسهل إنتخاب الرئيس؟، أم على مؤتمر تأسيسي يبدل من النظام القائم ويرسم توازنات ومواقع جديدة في السلطة؟.
في هذا الاطار، وإنطلاقا من موازين القوى، فإنه لا يخطر على بال عاقل أن يكون هناك محورا رابحا في المنطقة، ثم يترجم ربحه خسارة لمنصب رئيس الجمهورية في لبنان، كما لا يخطر على بال عاقل أن يعود الرئيس السوري بشار الأسد الى الجامعة العربية ويشارك في قمة جدة وتعود المياه الى مجاريها بينه وبين القادة العرب، ثم يأتي رئيس في لبنان معادٍ لسوريا، ولا شك فإن كلام الرئيس الفرنسي جاء ليحاكي هذا الواقع، ففرنسا لا تطرح فرنجية إنطلاقا من علاقة أو مصلحة شخصية، بل هي ترى أنه يستطيع الوقوف على التقاطعات الاقليمية بما يجعله الأقدر على التعاطي مع الدول المتصالحة مع بعضها البعض والاستفادة من ذلك لمصلحة لبنان.
حتى الآن، يبدو أن هناك فريقا من اللبنانيين يعتقد أن العالم لا ينام قبل أن يطمئن عليه وعلى حقوقه، وفي الوقت الذي يغرق فيه هذا الفريق في أوهامه، يتجه العالم نحو متغيرات جذرية، بدءا من الاتجاه نحو تصفير المشاكل في الاقليم من خلال المصالحات والتفاهمات التي تسير على قدم وساق، وصولا الى محاولات الغرب للوصول الى قواسم مشتركة، وما المشاركة الفاعلة في منتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي لأكثر من مئة دولة سوى دليل واضح على هذه المتغيرات التي يُعتبر فيها لبنان أقل من تفصيل وربما من الأشياء غير المنظورة، خصوصا إذا ما أمعنت التيارات السياسية فيه في التصدي لكل المحاولات الرامية الى حل الأزمات.
وإذا كان العالم ما يزال من وقت لآخر يتطلع الى لبنان ويحاول التدخل لمعالجة أزماته، فذاك مرتبط بوجود حزب الله وصراعه القائم مع إسرائيل وتوازن الرعب الذي نجح في تحقيقه معها، والذي يترجم يوميا في الميدان وكان آخرها إسقاط مسيرة إسرائيلية في الجنوب بإعتراف جيش العدو يوم أمس، وبالتالي فإن أي طرف غربي، فرنسي كان أو غير ذلك في حال أراد أن يتفاوض مع الأطراف الفاعلة في لبنان، فإنه حتما سيتجه نحو حزب الله وحلفاءه كونهم يشكلون محور المقاومة المعترف بها رسميا في كل البيانات الوزارية للحكومات اللبنانية ضمن معادلة “الجيش والشعب والمقاومة”.
Related Posts