يستمر المخاض الرئاسي عسيراً مع دخول الشغور في قصر بعبدا شهره الثامن. ورغم كل المحاولات المحلية والخارجية لدفع الافرقاء الى التوافق وانتخاب رئيس جديد، الا ان الانقسام المسيحي والماروني تحديداً لا يزال يعرقل العملية الانتخابية.
آخر محاولات اجتراح الحلول، تمثلت بزيارة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الى باريس ولقاء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، في مبادرة منه (أي الراعي) لحل الازمة اللبنانية. غير ان سيد بكركي عاد الى بيروت خالي الوفاض. فماكرون بلباقة ودبلوماسية شكر البطريرك على جهوده جازماً له بأن الموقف الفرنسي بدعم ترشيح رئيس تيار المرده سليمان فرنجيه لرئاسة الجمهورية ثابت ولن يتبدل.
داخلياً، كرّس التوافق المقنّع لكل من التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والكتائب ومعهم بعض التغييريين على ترشيح وزير المالية السابق جهاد ازعور لرئاسة الجمهورية، الانقسام بين نوابهم وفي بعض الأحيان مع جمهورهم.
اللافت في الامر ليس تناسي رؤساء الأحزاب المسيحية ما تم الاتفاق عليه في الاجتماع الرباعي في بكركي قبل انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية وحسب، بل ايضاً تناسي البعض تصريحاته السابقة ومواقفه لا سيما رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل والذي يجاهر اليوم بعكس ما كان يصرّح به في السابق، وقد غاب عن ذهنه ان للناس ذاكرة لم تغب عنها بعد صفحات كتاب “الابراء المستحيل” الذي كان بالنسبة لباسيل وتياره ذات يوم دليل ادانة لفؤاد السنيورة يوم كان وزير مالية ولسياساته المالية التي طبّقها مرشحه الحالي جهاد ازعور يوم كان وزير مالية حكومة السنيورة في العام ٢٠٠٥ والذي استمر في منصبه حتى العام ٢٠٠٨.
وفي سياق متّصل، فقد نسف باسيل كل تصريحاته حول أهمية ان يكون للمرشح الى رئاسة الجمهورية برنامجاً اصلاحياً واقتصادياً، وفضّل عوضاً عن ذلك ان يدعم مهندس الضرائب غير المباشرة واهمها الضريبة على القيمة المضافة والتي منعت العمل بمبدأ الضريبة المباشرة التصاعدية. كل هذا وسط معلومات عن ان اشقاء ازعور يملكون شركة “باتكو” التي أنشأت “سد المسيلحة” وقد لزّمها رئيس التيار الوطني الحر يومها كوزير للطاقة في العام ٢٠١٣ عقد التنفيذ. واذا اردنا تعداد “المصائب المالية” لازعور، فإنها لا تنتهي خاصة وانه من اقترح الانفاق دون موازنة بعد اتفاق الدوحة سنة ٢٠٠٨.
اذاً، فقد بات واضحاً ان جبران باسيل يغلّب مزاجه الشخصي في طريقة تعاطيه مع الملف الرئاسي على مصلحة البلاد العامة. وما استعانته بالرئيس السابق ميشال عون في اجتماع تكتل لبنان القوي الأخير لاقناع بعض النواب المتمردين على خيار ازعور الا دليلا على ذلك.
من جهة أخرى، يستمر باسيل في محاولاته الرامية الى ابتزاز الثنائي الشيعي وتحديداً حزب الله في الملف الرئاسي وقد غفل عن باله ان نواب كتلته المسيحية الكبيرة التي يجاهر بها قسم منهم اتى بأصوات ناخبي الثنائي ولولاهم لكانت القوات اللبنانية تفوقت عليه عدداً.
وكأننا في دار حضانة. هكذا تدل طريقة مقاربة الافرقاء للملف الرئاسي. فالحقد والغيرة والشهوة الى السلطة تدفع بمختلف الأحزاب المسيحية الى التوافق فقط على منع وصول سليمان فرنجيه الى قصر بعبدا. وهم يحاولون بشتى الطرق منع انتخابه غائباً عن بالهم بأن هناك شعب يئن من ثقل الازمتين الاقتصادية والاجتماعية ووطن بات قاب قوسين او ادنى من الاندثار يستغيث علّه يلقى آذاناً صاغية. فهل من يستجيب؟..
Related Posts