الاحتفالات عمّت شوارعها بفوز أردوغان .. ما سر العلاقة التي تجمع بين طرابلس وتركيا؟!..

خاص – سفير الشمال

لا يختلف إثنان على أن لتركيا رجب طيب اردوغان مكانة كبرى في طرابلس التي عبرت عن محبتها له امس بتنظيم مسيرات الفرح وإقامة الاحتفالات في ساحة التل وأمام الساعة الحميدية الاثرية التي قدمها السطان العثماني عبدالحميد الثاني، وذلك ابتهاجا بتجديد ثقة الشعب التركي به وانتخابه لولاية رئاسية خامسة.
لم يكن ينقص طرابلس أمس إلا أن تقترع لرجب طيب اردوغان لتنضم الى المدن التركية التي خرجت للمشاركة بالاستحقاق الرئاسي الديمقراطي، لكن ما حصل في اكثرية المدن التركية بعد اعلان النتائج انسحب على طرابلس التي عبرت عن عاطفة جياشة تجاه الرئيس أردوغان فازدانت شوارعها بالاعلام التركية واللبنانية واحتشد المواطنون في الشوارع والساحات وانطلقت المسيرات السيارة التي بثت الاغاني الخاصة بالرئيس اردوغان واطلقت التكبيرات، وذلك على وقع قرع طبول النوبات الصوفية والمفرقعات النارية والتي استمرت حتى ساعة متاخرة من الليل.
تعتبر العلاقة بين طرابلس وتركيا عضوية، وهي توطدت بشكل كبير مع وصول رجب طيب اردوغان الى السلطة حيث بدأت الفيحاء تتناغم مع تحركاته وخطاباته، وقد هبت المدينة بشيبها وشبابها للتضامن معه اثر المحاولة الانقلابية الفاشلة على حكمه قبل سنوات كما خرجت بالامس للاحتفال بانطلاق ولايته الخامسة.
ما سر هذه العلاقة التي تجمع بين طرابلس وتركيا؟
تُعتبر المدن التركية الوجهة الاحب لابناء طرابلس لتمضية الاجازات والقيام بالزيارات، كما ساهمت الجمعيات الطرابلسية التي تهتم بالعلاقات اللبنانية ـ التركية بفتح الأبواب أمام أبناء المدينة الراغبين بنيل التعليم العالي في الجامعات التركية، كما لعبت دورا مميزا في تنشيط مؤسسات تركية إنمائية وثقافية وتجارية للقيام بالمشاريع، لا سيما مؤسسة تيكا.
تنامي هذه العلاقة دفع ببلدية طرابلس خلال العقدين الماضيين الى إقامة علاقات توأمة مع مدن: اسطنبول، كاتشي أوران، قونيا الكبرى، غازي عنتاب، بورصا، كما انضمّت البلدية الى اتحاد بلديات العالم التركي.
هناك المئات من العائلات الطرابلسية تتحدر من أصول تركية ولديها نفس العادات والتقاليد، وبعضها يحمل الجنسية، وبعضها الآخر يسعى الى إستردادها، ما يدل على عمق العلاقات الطرابلسية ـ التركية والتي لم تكن محصورة بالحقبة العثمانية فقط، بل هي بدأت منذ عهد المماليك حيث كانت طرابلس مركزاً لنائب السلطان الذي كان مقرّه في مصر، علما أن المماليك يتحدرون من العرق التركي، وكانت سلطنتهم حليفة للدولة السلجوقية التي تحكم تركيا، لذلك فإن أكثرية نواب السلاطين الذين حكموا طرابلس هم من أصول تركية ويحملون أسماء تركية مثل: إسندمر الكرجي (باني محلة السويقة)، عز الدين أيبك (باني حمام عز الدين)، شهاب الدين قرطاي (باني سوق العطارين وجامع القرطاوية)، سيف الدين طينال (باني جامع طينال)، أرغون شاه (باني جامع أرغون شاه).
عمل العثمانيون على تطبيع العلاقات مع طرابلس التي كانت لها مكانة كبرى لدى كل سلاطين بني عثمان، فحوّلها هؤلاء الى مركز دائم للولاية (مركز إقامة الوالي العثماني) لكونها كانت ترفد كل ولايات السلطنة بالمفتين والمشايخ والأطباء والخبراء، كما كانت ترفدها بالصناعات المختلفة.
ثمة روايات تقول إن “حريم السلاطين العثمانيين” كنّ يطلبن الصابون الطرابلسي الفوّاح، فيصار الى نقله ببواخر خاصة من الميناء في لبنان الى اسطنبول.
وتشير المعلومات التاريخية الى أن الكثيرين من أبناء طرابلس تبوأوا مراكز هامة في دوائر السلاطين، وحملت عائلاتهم أسماء المناصب التي شغلوها وهي ما تزال حتى الآن موجودة في المدينة وتتباهى بأصولها العثمانية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، في المجال العسكري، عائلات: سنجقدار، بيرقدار وجبخانجي. وفي المجال الإداري، عائلات: خزندار، تحصلدار، دفتردار، وفي المجال المهني، عائلات: صابونجي، كندرجي، قندقجي، خانجي، خربطلي، لاذقاني، اسكلمجي، سبقجي، جنزرلي، وفي المجال الديني، عائلات: مولوي (تعود الى مولانا جلال الدين الرومي مؤسس الطريقة المولوية في قونيا)، الدرويش، النقشبندي، الشلبي، الولي، ولي الدين، علم الدين، إضافة الى عائلة سلطان التي تُنسب مباشرة الى السلاطين.
وشهدت طرابلس خلال العهد العثماني قيام السلاطين بإرسال أشخاص من مدن تركية الى طرابلس للقيام بمهمات مختلفة، وما لبثوا أن أقاموا في المدينة واستقروا فيها وحملت عائلاتهم أسماء المدن التي أتوا منها وفي مقدمة هذه العائلات: مرعشلي (مدينة مرعش)، إسطنبولي وإسلامبولي (إسطنبول)، إزمرلي (إزمير)، عنتبلي (غازي عنتاب)، أورفلي (أورفا)، أفيوني (أفيون).
ومنحت السلطنة العثمانية عائلات طرابلسية ولبنانية مختلفة ألقاباً عدة، فنسب آل الميقاتي في طرابلس يعود الى “المشايخ المؤقتين”، الذين كلفهم السلطان العثماني بمواقيت الصلاة في الجامع المنصوري الكبير، إضافة الى لقب “أفندي” الذي أُعطي لآل كرامي، ولقب “بيك” لعائلات: المرعبي وعلم الدين وحمزة وغيرهم ممن خلع عليهم السلطان العثماني لقب “شيخ” وأكثرهم من جبل لبنان (موارنة) أو باشا أو غير ذلك.
لم ينته الترابط بين طرابلس وتركيا عند هذا الحد، بل إن السلطان العثماني اختار طرابلس مع مدن أخرى لإسكان المهاجرين من جزيرة كريت بعد سقوطها بيد اليونانيين، حيث يوجد حي المهاجرين في التبانة لغاية الآن، ومن أبرز العائلات التي جاءت من كريت واستقرت في طرابلس: بكراكي، قبضاكي، سقلاكي، قبلاكي وغيرهم.
وثمّة مَن جاء مطلع القرن الماضي الى طرابلس من بلدة ماردين التركية بحثاً عن فرص عمل ويعرفون اليوم بـ “المردلية”، وهم أقاموا في طرابلس وأصبحوا من نسيجها الاجتماعي ويعدون اليوم بالآلاف وبعضهم يسعى الى استعادة الجنسية التركية من خلال الحصول على بطاقات الهوية من أقاربهم في “ماردين”، شرط أن تحمل اسم الجمهورية التركية التي أسسها أتاتورك، ومن أبرز هذه العائلات: الماردلي، إبراهيم، مقصود، شيخو، عمران، مراد، خلف، العلي، حيدر، حسن وغيرهم”.
كما أن لـ “التركمان” الذين أرسلهم السلاطين لحماية أراضي السلطنة حضورا في طرابلس وهم من أصول عثمانية صرفة، ومن أبرز عائلاتهم: تركماني، تركي والترك، والأكثرية الساحقة منهم تتمركز في بلدتي عيدمون والكواشرة في عكار، وهاتان البلدتان توليهما الحكومة التركية اهتماماً خاصاً ومباشراً على صعيد المشاريع التنموية.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal