يتصدر ملف النازحين السوريين إهتمامات اللبنانيين حتى كاد أن يكون اليوم الهمّ الأبرز في بلد تتوالد فيه الأزمات المتنوعة لترخي بثقلها على تفاصيل الحياة اليومية.
فجأة، ومن دون مبررات منطقية، تحول الحديث الهادئ عن النازحين والآليات التي يمكن أن تتبع في تأمين العودة الطوعية والآمنة لهم، الى مزايدات سياسية وطائفية وإجتماعية، ترافقت مع كثير من العنصرية والتحريض والشحن، ونشر الفيديوهات التي تنفخ في بوق الفتنة.
خرج “المصطادون بالماء العكر“ من سوريين ولبنانيين على الشاشات ليرفعوا السقوف ويطلقوا التهديدات والاتهامات، وإشتعلت مواقع التواصل الاجتماعيبحرب ضروس بين المؤيدين والمعارضين وكذلك بين النازحين والمقيمين، وسارعقناصو الفرص الى التعبير عن أنفسهم بمواقف وتحركات وتهديدات بالنزول الى الشارع لحماية النازحين أو لطردهم، حتى وصل الأمر الى توجيهالتحيات من أدلب الى طرابلس بإعتبارها ترفض إعادة النازحين، وهو أمر غير صحيح، فطرابلس وسائر المدن والمناطق اللبنانية إحتضنت النازحين وعملت على رعايتهم وحمايتهم على مدار 12 عاما وهي ترغب اليوم في أن يكونوا أعزاء آمنين في بلدهم، بينما كل لبنان يرفض تعريض حياة أي منهم للخطر.
لا شك في أن ملف النازحين شائك ومتشعب وقد يتحول الى متفجر في حال إستمرت هذه “الهستيريا“ في التعامل معه سلبا أو إيجابا، ولا بد من مقاربته بمنطق وطني، إنساني وإجتماعي، خصوصا أن وضع البلاد المنهار إقتصاديا وماليا لا يحتمل هذا الكم الهائل من النازحين، وهذه الولادات التي تشير الاحصاءات الى أنها بلغت رقما مخيفا مقابل الولادات اللبنانية، في حين أن مناطق عدة في سوريا باتت آمنة ولم يعد هناك خطرا على أهلها، وأن عددا كبيرا من النازحين بادروا بالعودة إليها طوعيا، ويمكن لعدد مماثل منهم أن يعودوا من دون أية مخاطر أو مشاكل تذكر، خصوصا إذا ما تم التوافق على إيصال المساعدات المالية من مفوضية اللاجئين إليهم في مناطقهم بما يساعد على تثبيتهم في أرضهم السورية.
وفي هذا الإطار، تشير المعطيات الى أن السواد الأعظم من النازحين تحولوا من نازحي حرب وتهديد حياة، الى نازحين إقتصاديين، كون لبنان يسمح لهم بالعمل وبوصول المساعدات المالية الأممية إليهم ويتمتعون بالحرية الكاملة، وعدد لا يستهان به منهم يغادرون الى سوريا بشكل دوري ويعودون الى لبنان ما ينفي عنهم صفة النازحين.
وكان وزير العمل مصطفى بيرم أشار الى أن 27 ألفا من النازحين أمضوا عيد الفطر في سوريا ثم عادوا الى لبنان، فيما أشارت إحصاءات الى من أمضى العيد في سوريا هم أكثر من 60 ألفا، وهذا أمر من المفترض مواجهته، خصوصا أن التخفيف من عدد النازحين في لبنان يساعده على تأمين الاستضافة والرعاية لمن تبقى منهم خصوصا أولئك الذين لديهم مشاكل أمنية أو غير ذلك مع القيادة السورية.
أمام هذا الواقع، تلقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أزمة النازحين، وعمل على توحيد الرؤية اللبنانية حيالهم في الاجتماع الوزاري الأمني الذي عقده في السراي الحكومي قبل أيام، وصدر عنه مقررات هامة، تساعد من يرغب من النازحين في العودة الآمنة، وتجبر من يغادر الى سوريا ويعود على أن يبقى هناك، وتتصدى لمن يدخل خلسة الى البلاد من أجل العمل أو ممارسة أعمال التهريب، وتحمي من هم بحاجة الى حماية، وتضغط على مفوضية اللاجئين لتسليم الداتا التي بحوزتها الى الحكومة لتتمكن من خلالها البدء بمعالجة علمية لهذا الملف.
ما بين الرؤية اللبنانية الموحدة التي أرساها رئيس الحكومة ومن شأنها حماية لبنان، وبين مزايدات بعض أصحاب الرؤوس الحامية الساعين لتحقيق مكاسب على حساب أزمة جديدة، تشير المعلومات لـ”سفير الشمال” الى مساع بدأت تجري لسحب كل فتائل التفجير من هذا الملف، بدءاً بالجدية الكاملة في تطبيق مقررات الحكومة، وصولا الى حراك لهيئة علماء المسلمين في لبنان لمنع إنزلاق هذا الملف الى ما لا يُحمد عقباه.
Related Posts