هل تُخفف جلسة الصلاة والتأمل من الانفعالات المسيحية؟!… غسان ريفي

يبدو أن الضجيج الذي يسيطر على الساحة المسيحية وما ينتج عنه من إنفعالات طائفية وتحريضية تترجم في أكثر من مكان ومناسبة، هو بفعل إرباك غير مسبوق تجاه الاستحقاق الرئاسي الذي بدأت التطورات التي تشهدها المنطقة لا سيما على صعيد المصالحات الجارية تأخذه الى مكان ترفضه التيارات المسيحية التي تعتبر نفسها معنية أساسية به.

أصوات “النكرزة” السياسية لدى أكثرية التيارات المسيحية تتجسد يوميا برفع سقوف المواقف، تارة بالشعارات الممجوجة التي تتحدث عن التقسيم والفدرلة، وتارة بإعلان منع فريق الممانعة من الدخول الى قصر بعبدا، وطورا بإستهداف رئيس تيار المردة سليمان فرنجية والتأكيد على عدم التصويت له مهما إختلفت الظروف ومهما تبدلت النظرة الاقليمية والدولية تجاهه.

هذا التصعيد المتمادي وصولا الى التهديد بأنه سيكون “لنا جمهوريتنا ولكم جمهوريتكم، ولنا لبناننا ولكم لبنانكم”، من شأنه أن يرفع التيارات التي تتبنى هذه الطروحات على شجرة المواقف، كونها تتسم بإنفعالية وتسرع، وقصر نظر تجاه حقيقة ما يجري في المنطقة من تفاهمات لاعادة ترتيبها بشكل بعيد كل البعد عن التوتر وصولا الى صفر مشاكل، حيث ستجد هذه التيارات نفسها عاجلا أم آجلا مضطرة للتعايش مع الواقع الجديد، وبحاجة الى من ينزلها عن الشجرة.

ومما يزيد الطين بلة هي الخلافات المستشرية بين التيارات المسيحية ما يمنع أي حوار أو تفاهم على صيغة مشتركة يمكن أن تفضي الى توافق على مرشحرئاسي، في ظل إصرار رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل على قاعدة “أنا أو لا أحد”، ما يثير حفيظة نوابه الذين يرون أن من بينهم مرشح لديه حظوظ في حال تمت تهيئة الظروف الملائمة له، حيث تشير المعلومات الى إنقسام حاد في صفوف التيار على خلفية الأنانية التي يتعاطى بها باسيل.

وكذلك، تصعيد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع المستجد تجاه الجميع بدون إستثناء من فريق الممانعة ومرشحه الى النواب التغييريين الى التيار الوطني الحر الذي يتهم وزراءه بالفساد ويدعوه الى أن يجلس (أي التيار) في بيته مع الفريق المتحالف معه وأن يفسح المجال أمام غيره لانقاذ البلد، ومن ثم يطالبه برد جميل العام 2016 بإنتخاب القوات العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية والسير الى جانبها في المرشح الذي تدعمه.

وبالرغم من إعتراف جعجع بأن القوات إنتخبت ميشال عون للرئاسة، فإنه يحمّل فريق الممانعة مسؤولية وصوله الى قصر بعبدا وتداعيات ما شهده عهده الذي بدأ بشراكته وبتفاهم معراب الذي بُنيَ على تقاسم المغانم والمكاسب والمناصب بين التيارين المسيحيين الأساسيين والذي ترجم في الحكومات وفي التعيينات.

يمكن القول، إن التيارات المسيحية عادت الى نغمة “الهواجس” سواء مما يجري في المنطقة من مصالحة تاريخية بين السنة والشيعة ممثلة بالسعودية وإيران، أو من إدارة ظهر فرنسا لها، وإهتمامها بالوضع اللبناني عموما وليس بفئة محددة، أو من التقارير التي تتحدث عنها وسائل إعلامية حول تناقص أعداد المسيحيين.

وفي هذا الاطار ترى مصادر سياسية مطلعة إن هذه الهواجس والانفعالات ليس لها أي مبرر، وهي في حال إستمرت وتنامت على وقع التحشيد الطائفي والشحن والتحريض وإفتعال الأزمات، قد تعيد إحياء مشاريع إنتحارية بدأ البعض بالتحدث عنها، وهي لم تجلب للبنان إلا الخراب، وبالتالي فإن على التيارات المسيحية المعنية أن تتعاطى مع تطورات المنطقة بإيجابية وأن تكون جزءا من التسوية المقبلة إنطلاقا من الصيغة اللبنانية والشراكة الوطنية القائمة والتي لا أحد في لبنان يريد أو يسعى لتفكيكها.

وتأمل هذه المصادر بأن تكون جلسة الصلاة والتأمل التي ينظمها البطريرك بشارة الراعي للنواب المسيحيين يوم غد الأربعاء في كنف سيدة لبنان في حريصا مناسبة لمراجعة الحسابات بكثير من التأني والتبصر، علّ هذه الصلاة تعيد البعض الى أرض الواقع بدل البقاء على شجرة المواقف!..


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal