التوقيت الصيفي.. كشف المستور!… غسان ريفي

كشف الخلاف حول التوقيت الصيفي النقاب عن كثير من الخفايا الطائفية والسياسية التي يغلفها البعض بمجاملات ما تلبث أن تسقط عند أول إحتكاك مهما كان سخيفا. لم يكن تأجيل تقديم الساعة لنحو ثلاثة أسابيع مراعاة للصائمين يستدعي كل هذا الضجيج السياسي والتحريض الطائفي، خصوصا أن البلاد التي هددها صندوق النقد الدولي بالانهيار الشامل، تشبه الى حد بعيد “القسطنطينية” التي ترك قادتها حصارها لانشغالهم في البحث عن جنس الملائكة، لكن ما حصل خلال اليومين الماضيين وإعتماد توقيتين كشف المستور في أمور كثيرة، لجهة:
أولا: أن القوى السياسية المسيحية مأزومة، فهي غير قادرة على التوافق على رئيس للجمهورية، ولا أي فريق منها قادر على إيصال مرشحه، لذلك فإنها باتت تنتظر أي فرصة للاستفادة منها في الهروب الى الأمام والمنافسة في رفع السقوف الطائفية لإرضاء الشارع المسيحي الذي ضاق ذرعا بالشغور الرئاسي، مع قناعته بأن توافق القوى المسيحية أو خلافها سيكون في النهاية على حسابه إنطلاقا من تجارب بعيدة وقريبة المدى.
ثانيا: الانفصام الذي يعيشه رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل الذي لم يستوعب بعض فكرة أنه خارج الحكم ومعدوم النفوذ، وأن الرئيس نجيب ميقاتي الذي شكل سدا منيعا أمام طموحاته وأحلامه بتمديد عهد عمه ميشال عون بشكل مقنع بما يساعده في معركته الرئاسية ما يزال على رأس السلطة ويقود البلاد بمعزل عنه ويعقد جلسات لمجلس الوزراء من دون موافقته.
لذلك فإن باسيل وجد في القرار الاداري القاضي بتأجيل إعتماد التوقيت الصيفي ضالته في تصفية الحسابات السياسية مع ميقاتي، وفي العودة الى جمهوره بعناوين طائفية عنصرية من إستهداف المسيحيين الى الحديث عن التطور والتخلف في إعتماد الساعة، ما يشير بحسب مراقبين الى أن باسيل يلعب أوراقه الأخيرة بعدما بات مقطوعا من شجرة سياسية بعد خلافه مع حزب الله وكل القوى السياسية الأخرى، وهو بالأمس كان كمن يطلق النار على قدميه نتيجة غباء سياسي، حيث أكد أنه مرشح طبيعي للرئاسة بما يشبه إعلان ترشيحه، ثم وصف من يعتمدون التوقيت الرسمي أي (المسلمين) بالمتخلفين والرجعيين، فأي ترشيح وأي رئيس بعد ذلك.
ثالثا: الحقد الدفين الذي ظهر من قبل بعض النواب المسيحيين وخصوصا نديم الجميل الذي رفع شعار “لنا توقيتنا ولكم توقيتكم ولنا لبناننا ولكم لبنانكم”، وهو كلام إما أنه يدل على مشروع سياسي يقوده الجميل نحو التقسيم والفدرلة وربما الحرب الأهلية، أو أنه كان يريد إحراج إبن عمه رئيسه في الحزب النائب سامي الجميل بموقف عالي النبرة يزايد عليه فيه ويحصد من خلاله شعبية زائدة، أو أنه لا يدري ماذا يقول والى ماذا قد يؤدي قوله، خصوصا أن كثير من زملائه يؤكد أن “ثقافته السياسية متواضعة جدا”.
رابعا: دخول بكركي على خط خلاف سياسي ـ إداري لا علاقة لها فيه لا من قريب ولا من بعيد، وهو دخول غير موفق، ويضرب صورة بكركي الصرح الوطني الجامع، علما أن كثيرا من المتابعين باتوا يلاحظون أن المواقف الصادرة عن الصرح البطريركي فيها الكثير من التناقض، إنطلاقا من رغبة البطريرك الراعي في إرضاء كل الأطراف المسيحية، المتناحرة في ما بينها، وعدم قطع العلاقات مع الأطراف الاسلامية، حيث إستقبل قبل نحو إسبوع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وأثنى على الجهود التي يبذلها في متابعة قضايا المواطنين وتلبية حاجاتهم وحفاظه على الشراكة الوطنية والوجود المسيحي، قبل أن ينقلب على موقفه ويتجه نحو مسايرة القوى المسيحية في قضية الساعة بوصف الحكومة بأنها غير ميثاقية وغير شرعية.
ولعل الايجابية الوحيدة، أن موقف البطريرك الراعي لم يستدرج ردودا من قيادات روحية إسلامية تتمسك بالتوقيت الشتوي، الأمر الذي خفف من حالة الاحتقان التي يُخشى أن تؤدي الى ما لا يُحمد عقباه.
تقول مصادر مواكبة، “إن من إجتمع على رفض تأجيل التوقيت الصيفي بهذا الشكل المتماسك، قادر على أن يجتمع ويتوافق اليوم لانتخاب رئيس للجمهورية وإنهاء الشغور القاتل، إلا إذا كان توافق “الساعة” مجرد مزايدات طائفية لاستمالة الشارع تنتهي مع إنتهاء مفاعيل القرار، ليعود بعد ذلك الطحن السياسي الى الملف الرئاسي.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal