لم تتفق قوى المعارضة في ما بينها، منذ الإنتخابات النيابية الأخيرة التي جرت في 15 أيّار الماضي، على أمر ما كما اجتمعت على رفضها إنتخاب رئيس تيّار المردة سليمان فرنجية، إذ سارعت بعد إعلان رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله تبنّي ودعم ترشيح فرنجية، إلى رفعها شعار معارضة وصول الزعيم الزغرتاوي إلى قصر بعبدا مهما كلّف الأمر.
رفض المعارضة إنتخاب فرنجية ترافق مع أمرين لافتين: الأوّل أنّها لم تتفق في ما بينها على إسم مرشّح يجمع تناقضاتها، أو يُشكّل الحدّ الأدنى من نقاط التفاهم والتقاطع بينها، وقد أظهرت جلسات الإنتخاب الـ11 السّابقة أنّ مرشّحها رئيس حركة الإستقلال ميشال معوض قد استنفد حظوظه، بعدما عجز عن تجاوز عتبة 44 صوتاً من مجمل أصوات النوّاب الـ128، ما جعل قوى المعارضة تفكر وتسعى وراء تسمية مرشّح بديل علّها تستطيع إيصاله إلى قصر بعبدا، وإمساكها بالسلطة، لكنّها لم تفلح.
أمّا الأمر الثاني فهو أنّ قوى المعارضة، والتي يأتي على رأسها القوّات اللبنانية وحزب الكتائب تحديداً، فضلاً عن نوّاب مستقلين أغلبهم من النوّاب الجدد، كانوا دائماً يوجّهون اللوم إلى أحزاب السّلطة، وهي الثنائي الشّيعي والتيار الوطني الحرّ (باتت له بعد تبنّي ترشيح فرنجية وتصدع تفاهمه مع حزب الله حسابات مختلفة) وتيّار المردة والحلفاء، بأنّهم كانوا يعمدون إلى تطيير جلسات الإنتخاب من دورتها الثانية وإفقادها نصابها الدستوري، فإذا بهم اليوم يلجأون إلى “السّلاح” نفسه، ويعلنون على الملأ بأنّهم لن يؤمّنوا النصاب (وهو حضور ثلثي أعضاء المجلس، أيّ 86 نائباً) لأيّ جلسة يُحتمل فوز فرنجية فيها.
ما سبق دلّ على أن فريقي السّلطة والمعارضة، كلّ بمفرده، يملكان نصاب تعطيل أيّ جلسة إنتخاب، وأنّ نظرتهم إلى تعطيل النصاب وطريقة مقاربتهم له لا تنطلق من خلفية إلتزامهم أو عدمه بالدستور، بقدر ما ترتبط إرتباطاً وثيقاً بمصالحهم السياسية، وسعي كلّ فريق لإيصال المرشّح الذي يدعمه إلى منصب الرئاسة الأولى.
هذا الجمود في المواقف، وتمترس كلّ فريق خلف مرشّحه، مع وقوف نوّاب في الوسط ينتظرون إلى أين ستميل الدفّة كي يميلوا معها، لن يحرّكه سوى 3 عوامل: الأوّل توافق القوى السّياسية على مرشّح معين يحظى بما يشبه الإجماع وينال أكثرية الأصوات، وهو أمر يبدو صعب التحقق حالياً. والثاني أنْ تحصل عملية خلط أوراق داخل المعسكرين، بمعنى أن ينتقل طرف ما من هذا المعسكر إلى ذاك فيرجّح كفّة مرشّح على آخر، وهو أمر وارد ضمن اللعبة السياسية اللبنانية لكنّ ظروفه لم تنضج بعد. أمّا الثالث فهو أنْ تأتي كلمة السرّ من الخارج كما جرت العادة في أغلب الإستحقاقات الرئاسية، وعندها يسير الجميع في ركب التسوية.
Related Posts