كان منتظراً ومتوقعاً ما شهده مجلس النوّاب يوم أمس، بعدما تسبّب خلاف بين الكتل حول مشروع قانون وَرَدَ من الحكومة إلى تفجير الخلاف السّياسي حول الصلاحيات الدستورية لهذه الحكومة في ظلّ الفراغ الرئاسي القائم، ما أدّى إلى تطيير نصاب جلسة اللجان المشتركة بعد انسحاب عدد كبير من النواب من الجلسة، أغلبهم من لون طائفي واحد.
فعندما كانت اللجان النيابية تناقش مشروع قانون نظام التقاعد والحماية الإجتماعية أبدى عدد من نوّاب كتلة التيّار الوطني الحرّ إعتراضهم على جدول أعمال الجلسة، بسبب مرسوم الفيول الآتي من العراق الذي تم طرحه، وهو موقع من قرابة 6 وزراء في حكومة تصريف الأعمال، ما دفعهم إلى الإعتراض عليه واعتباره غير دستوري، وعندما لم يفلح نائب رئيس المجلس النيابي الياس بو صعب في سحب المرسوم إنسحب نوّاب التيّار البرتقالي، قبل أن يتبعهم نواب كتلتي القوّات اللبنانية والكتائب وحركة الإستقلال، ما أفقد الجلسة نصابها، فتم رفعها وتأجيلها إلى موعد لاحق.
التصريحات التي أعقبت رفع الجلسة كشفت بما لا يقبل الجدل حجم الإنقسام السّياسي الكبير بين الكتل والقوى السّياسية، والذي ذهب بعيداً في منحاه الطائفي، ومشيراً إلى حجم المخاطر التي تهدّد الكيان في ظلّ الفراغ في موقع الرئاسة الأولى، وينذر بأنّ الأمور ذاهبة إلى الأسوأ في المستقبل المنظور إذا استمر الفراغ على حاله، والإنقسام السياسي حول إدارة الحكومة هذا الفراغ خلال المرحلة المقبلة، ما سيفاقم من معاناة المواطنين المعيشية، خصوصاً بعدما وصل سعر صرف الدولار الأميركي، أمس، عتبة 90 ألف ليرة، وسط توقعات أن يواصل الإرتفاع نحو أسعار قياسية، في مقابل تنصّل السّلطات المعنية من مسؤولياتها، أو اكتفائها بالوقوف متفرجة على غرق البلد أكثر في أزماته، ومواصلة إنهياره.
ما حصل دفع المراقبين والمواطنين إلى طرح أسئلة مقلقة ووجودية حول مستقبل الأوضاع في المستقبل المنظور، وصولاً إلى مستقبل ومصير الكيان نفسه إذا استمرت مقاربة الكتل والقوى السياسية للملفات والقضايا المختلفة على هذا المنوال.
من هذه الأسئلة: إذا كان الخلاف حول بند وارد على جلسة اللجان النيابية المشتركة أدى إلى تطيير الجلسة، وإظهار فرز خطير ذو أبعاد طائفية، فكيف سيتمكّن المجلس النيابي من مناقشة ملفات ومشاريع قوانين أخرى مثل تمويل إجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية المقررة مبدئياً في أيّار المقبل، لأنّ عدم إقرار هذا التمويل في مشروع قانون ينذر بتأجيل هذه الإنتخابات، كما ينذر أيضاً بعدم قدرة المجلس النيابي المنقسم على نفسه من تمديد ولاية هذه المجالس في حال تعذّر إجراء الإنتخابات، ما سيجعل رقعة الفراغ تتسع لتشمل السّلطات المحلية إلى جانب الفراغ في رئاسة الجمهورية، والأزمة في حكومة تصريف الأعمال التي لا تعقد أيّ جلسة لها إلا على وقع طبول الإنقسام السّياسي والطائفي التي باتت تدقّ بقوة.
وتذهب التساؤلات بعيداً، وتبدي قلقاً واسعاً حيال المرحلة المقبلة، إذ كيف يمكن التوافق على عقد جلسة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية وإنهاء الفراغ الرئاسي، المتسبّب الرئيسي في هذا الإنقسام السّياسي والطائفي، إذا تعذّر التوافق على إمرار بند في جدول أعمال لجنة نيابية مشتركة، وهل أنّ محاولات التعطيل التي لم تفلح في جلسات الحكومة، التي بقيت تعقد ولو في ظلّ ضجيج سياسي واسع، ستنتقل إلى المجلس النيابي؟
Related Posts