الفوضى الشاملة أصبحت أمراً واقعاً و”لبنان القديم” بات من الماضي… عبد الكافي الصمد

أواخر شهر تشرين الثاني الماضي أدلت مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشّرق الأوسط باربرا ليف بتصريحات لافتة للإنتباه، عندما حذّرت من “حدوث فوضى واضطرابات في حال إستمرار الفراغ في السّلطة”، وهي تقصد طبعاً عدم إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، موضحة أنّ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن “أعدت لمجموعة من السيناريوهات الفوضوية التي يمكن أن تحدث”، من غير أنْ تكشف عنها.

وذهبت ليف حينها بعيداً في تحذيراتها مثيرة الكثير من المخاوف والهواجس لدى اللبنانيين، عندما توقعت أن “تفقد السّلطة السيطرة على الأمور. هناك هجرات جماعية، وأتصور بطريقة ما أنّ الكثير من أعضاء مجلس النوّاب أنفسهم يحزمون حقائبهم ويذهبون إلى أماكن في أوروبا، أو أماكن أخرى حيث توجد ممتلكاتهم”.

تصريح ليف تزامن مع مواقف أدلى بها رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي خلال استقباله حينها نقيب الصحافة وأعضاء مجلس النقابة، عندما حذّر بدوره من أنّ “لبنان قد يستطيع أن يتحمّل أسابيع، لكنّه لا يستطيع أنْ يتحمّل أكثر من ذلك، ولا يمكن أنْ يتحمّل لبنان واللبنانيون مزيداً من التدهور”.

ما توقعته ليف وبرّي حصل فعلاً، وما شهده لبنان في الأيّام الأخيرة خيرٌ دليل على ذلك، خصوصاً أنّ هذه التوقعات صدرت من طرفين مطّلعين على الوضع اللبناني بكل تفاصيله، وعلى الأزمات العميقة والمعقدة التي يغرق بها البلد، والإنقسامات الداخلية فيه، والتدخلات الخارجية في شؤونه الداخلية، ما يجعل ملامح المرحلة المقبلة بكل تعقيداتها واضحة أمامهما بوضوح كبير.

أبرز هذه الملامح تمثل في انقسام القضاء على نفسه بما يتعلق بملف أنفجار مرفأ بيروت، في موازاة إنقسام سياسي معهود، وهو إنقسام جعل “السّلطة الثالثة” في مهبّ الريح، بالتزامن مع ملامح “أزمة” بين وزير الدفاع موريس سليم وقائد الجيش العماد جوزاف عون، الأمر الذي يجعل الحدّ الأدنى من الأمن الممسوك في البلد من قبل الجيش، وهو حائط الدّفاع الأخير في الحفاظ على استقرار ووحدة لبنان، في خطر جدّي.

كلّ ذلك ترافق مع إنهيار إضافي شهده سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، الذي تجاوز سعره مساء أمس عتبة الـ62 ألف ليرة، وارتفاع جنوني في أسعار المحروقات (باتت وزارة الطاقة تصدر جدولين بأسعارهما يومياً لمواكبة إرتفاع سعر صرف الدولار)، والسلع الأساسية، واستمرار إضراب أساتذة التعليم الرسمي، وتفاقم أزمة الإستشفاء والدواء والكهرباء، وشلّ إدارات الدولة، مع اكتفاء أهل السلطة بمشاهدة البلد والمواطنين يغرقون يومياً في أزماتهم.

ما سبق أكّد التحليلات والتوقعات التي قيلت ونشرت منذ بداية الأزمة بعد حَرَاك 17 تشرين الأوّل عام 2019، وتحديداً في الأشهر الماضية، من أنّ لبنان قد دخل إلى غير رجعة في أتون أزمة وجودية عميقة، سياسية وأمنية وإقتصادية ومعيشية، وبأنّ الفوضى لم تعد على الأبواب إنّما باتت في الداخل، وأنّ الأشهر المقبلة ستشهد إنفلاتاً وتفتتاً وتفكّكاً وانهياراً واسعاً على كلّ المستويات، ما يعني أنّ لبنان القديم (الإنتداب، والإستقلال، واتفاق الطائف) قد دُفن إلى غير رجعة، وأنّ لبنان الجديد الذي تنتظر ولادته سيشهد مخاضاً عسيراً وطويلاً.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal