لبنان الى اين سياسياً واقتصادياً في مطلع العام 2023 !؟ الجزء العشرون.. المحامي ربيع الشاعر: لبننة الإستحقاق الرئاسي غير مُمكنة حالياً..

الدكتور طلال حمود: 

نستكمل نشر هذه المداخلات القيّمة التي أتت استجابة للمحاولة التي قمنا بها لإستشراف الآفاق السياسية والإقتصادية للعام 2023 في ملتقى حوار وعطاء بلا حدود وجمعية ودائعنا حقنا والتي كما ذكرنا سابقاً حاولنا اجراء عملية حوار غير مباشر بين اللبنانيين عبر طرحنا لمجموعة من الأسئلة المهمة التي تؤرقهم حالياً وتُقلقهم وتجعلهم خائفين على مستقبل وطنهم وإمكانية ضياعه او دخوله لا سمح الله في دوامة من الإضطرابات الأمنية واعمال العنف والشغب التي قد تتدحرج بسرعة هائلة بسبب اجواء الشحن الطائفي والمذهبي والمناطقي، وبسبب إنسداد الأفق السياسي وعدم إتفاق الأطراف الداخلية على اية آلية تُخرجنا من عنق الزجاجة التي نختنق في داخلها منذ اكثر من ثلاث سنوات، وفي ظل إستمرار التدهور الإقتصادي والمالي والنقدي، واستمرار انهيار سعر الليرة اللبنانية امام الدولار الأميركي والإرتفاع الجنوني والصاروخي في اسعار السلع الأساسية وخاصة المحروقات والادوية وحليب الأطفال وغيرها من السلع الضرورية. ايضاً في ظل مراوحة سياسية مذهلة قطعها بشكل جزئي الإعتكاف الذي قام به مجموعة من النواب في المجلس النيابي في محاولة للضغط للمبادرة لعقد جلسات متتالية لمجلس النواب وانتخاب رئيس جديد للجمهورية، والتي يعتقد الكثير من المُحلّلين انها لن تكون كافية لفتح الكوّة المطلوبة في جدار التصلّب والتعنّت القائم عند معظم القوى السياسية والذين يشيرون ان تحضيرات الطبخة الخارجية لإستحقاق رئاسة الجمهورية التي لها الدور الأساسي في الوصول اليه لم تبدأ بحسب رأيهم بعد لأن الطباخين الخارجيين مشغولون عن قضية لبنان بما هو اخطر واهم من قضايا دولية واقليمية بحيث ان زمن التسويات لم يأت بعد وان لبنان قد يكون مقبل على فراغات مدمرة لا يمكن لأحد حتى اليوم ان يقدّر تداعياتها الكارثية على كل الصعد والمستويات. 

وإستكمالاً لنشر مداخلات النُخب التي كنا قد تواصلنا معها، نقف اليوم عند مداخلة هامة جداً للناشط السياسي والمرشح السابق عن المقعد الماروني للانتخابات النيابية عن قضاء البترون في الدورة الماضية، المحامي الصديق الأستاذ ربيع الشاعر وهو من الاصدقاء الأوفياء للملتقى والمشاركين معنا في معظم الندوات واللقاءات التي نظّمناها في ملتقى حوار وعطاء بلا حدود وجمعية ودائعنا حقّنا، سواء تلك المُتعلقة بحقوق المودعين والسبل القانونية والتشريعية الآيلة لحماية هذه الحقوق، حيث كانت له مداخلات ومطالعات هامة جداً في كل الندوات التي قمنا بها حول هذا الموضوع وتحديداً حول الأليات والسبل المُمكنة لإستراج الأموال المنهوبة والمهرّبة والمحوّلة. وكذلك الندوات المتعلقة بمكافحة الفساد وبإستقلالية القضاء في لبنان وموضوع الحصانات وملف التحقيقات في تفجير مرفأ بيروت بمشاركة نخبة مُميزة من القضاة والخبراء القانونيين والحقوقيين الذين ثمّنوا عالياً مداخلاته القيّمة في كل مرّة. 

واللافت أن الصديق الشاعر يتمتع بسيرة ذاتية مُلفته فهو محامٍ مُتدرّج في نقابة المحامين في بيروت وخرّيج المدرسة الوطنية الفرنسية Ecole Nationale D’Administration.

كما أنه حاصل على ثلاث شهادات في الدراسات العليا في القانون العام والدولي وحقوق الانسان والإدارة العامة من جامعات فرنسية في بواتييه وستراسبورغ وباريس، بالإضافة الى حصوله على شهادات تنفيذية في العلوم الإقتصادية والقيادية والديمقراطية والحوكمة والحكومة الإلكترونية ومشاريع الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص من كل من جامعة “هارفرد” وجامعة “ستانفورد” في أميركا ومن “مركز برادفورد للتنمية الاقتصادية الدولية” في بريطانيا ومن وزارة التجارة والـUNCTAD في الصين.

هو مُختصّ في صياغة القوانين والشؤون الدستورية والسياسات العامّة والحوكمة وتنظيم الهيكليات ومكافحة الفساد.

كان مستشاراً للعديد من الوزارات في لبنان منها وزارة الداخلية والبلديات ووزارة الأشغال العامة والنقل وعمل على مشاريع عدّة مع وزارة العدل ووزارة الاقتصاد والتجارة ووزارة البيئة.

أما خارج لبنان فقد كان مستشاراً للعديد من البرلمانات والحكومات والوزراء والهيئات العامّة والمجالس المحلية والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية والشركات والمؤسسات التعليمية.

يشغل اليوم منصب رئيس قطاع القانون العام في “مكتب عالم وشركاه” للمحاماة وهو مصنّف من بين أهم مكاتب المحاماة في لبنان ولديه فروع في الرياض ودبي وأبو ظبي.

كما حاز على العديد من الجوائز العالمية في قطاع حملات التوعية على الإنتخابات ومكافحة الفساد والمواطنة واختارته وزارة الخارجية الفرنسية ضمن برنامج “قادة المستقبل” لعام 2010 وحاز على أعلى وسام من وزارة الداخلية والبلديات اللبنانية في العام 2009.

وقد درّس الصديق الشاعر في معهد العلوم السياسية في باريس وفي كلية الحقوق في جامعة الروح القدس في الكسليك وحاضر في TEDx وفي العديد من الجامعات الاميركية والفرنسية واللبنانية وكتب الأبحاث والمقالات في السياسات العامة وفي الدستور والقانون والسياسة والإصلاح الإداري ومكافحة الفساد واللامركزية وحقوق الانسان، ونشر في أهم الصحف والمجلات اللبنانية والعربية والدولية وحلّ ضيفاً في العديد من المحطات التلفزيونية المحلية والإقليمية.

كذلك فهو مُؤلّف كتاب عن وظيفة رئيس الجمهورية وصلاحياته بعنوان: «رئيس الجمهورية:لماذا؟» منشورات مؤسسة كونراد أدينهاور الألمانية.

وقد خطط وأدار وراقب حملات إنتخابية على الصعيد اللبناني والعربي.

كذلك شارك الشاعر في تأسيس ورئاسة وإدارة وعضوية جمعيات عدة في مجالات الإعلام وإصلاح القطاع العام ومكافحة الفساد ودعم الشفافية والبيئة والآثار والثقافة وصياغة التشريعات وخلق فرص العمل وتكريم القيادات العربية، منها “مؤسسة مهارات” وجمعية “لابورا” و “الجمعية اللبنانية للشفافية” وجمعية “سكر الدكانة” وجمعية “بالنظام” وجمعية “أخضر دايم” وملحقي “نهار الشباب” و “أديان” في جريدة النهار ومبادرة “النهار-جامعة” مع الجامعة الأميركية و”مؤسسة الرئيس فؤاد شهاب” و”مؤسسة تكريم” و”مؤسسة الرئيس شارل ديغول” وجمعية “خريجي المدرسة الوطنية للإدارة الفرنسية”.

واليكم الآن المداخلة الكاملة التي وافنا بها جوباً على اسئلتنا.

 *الشاعر*  

بالنسبة للمحور الاول المُتعلّق بالإستحقاق السياسي، يرى الشاعر أن مصالح الكتل النيابية من الاستحقاق الرئاسي مُتضاربة، فمنها من يريد أن ينتخب رئيساً من منطلقات شخصية انانية، ومنها من يريد من الرئيس ان يكون اداة طيعة في يده، ومنها من لا يريد ان ينتخب رئيساً قبل تعديل الدستور لصالحه، ومنها من ينتظر كلمة السرّ الخارجية التي لم تصل بعد، ومنها من يناور لرفع قيمة فاتورة ولائه ومنها من له خيارات مبدئية بعيدة عن ارض الواقع. لذا، في ظل غياب آلية واضحة للترشّح لرئاسة الجمهورية وفي ظل ضبابية النصّ الدستوري وعدم وجود مرجع سهل لتفسيره وبسبب ارتباط لبنان بالمحاور الاقليمية وارتهان البعض لها ووجود اجندات ايديولوجية لا تأتلف مع المصلحة العامة وفي ظل عدم وجود رجالات دولة حقيقيين وفي ظل هذا الجو الطائفي المشحون، سيظل الإستحقاق الرئاسي رهينة التوافقات الاقليمية والدولية وستبقى الديمقراطية صورية وتحلّ محلها الفيتوقراطية اي حكم الفيتو والتسلط والتسلبط والمصالح الفئوية والشخصية الضيقة.

وعن إمكانية لبننة الإنتخابات الرئاسية يجيب الشاعر، من المستحيل لبننة الاستحقاق مئة في المئة لحاجة هذه الطبقة السياسية للدعم الخارجي ولإرتهانها لهذا الدعم. ويضيف أنه لا توجد شخصية معينة تتقدم على غيرها في السباق الرئاسي بسبب هيمنة منطق الصفقات والنكايات والتسويات المفروضة من الخارج، كما وأنه لا يُمكن التنبؤ بهوية الرئيس وبدفتر الشروط الذي سيفرض عليه وعلى الحكومات التي ستُشّكل في عهده.

ان حسن سير عمل المؤسسات الدستورية وعدم ترك البلاد للفراغ من شأنه بطبيعة الحال ان يُخّفف من حدّة الازمة ولكن الخروج من الازمة بحاجة لأداء سياسي مُختلف على جميع الاصعدة ولا يمكن ان يأتي الخلاص عن يدّ هذه الطبقة السياسية الفاسدة أو من دون مُحاسبة قضائية وديمقراطية تبدأ بتغيير قانون الإنتخابات النيابية ورفع الحصانات ومحاكمات عادلة لمكافحة الفساد والهدر او لبناء الثقة لإستقطاب الإستقرار والإستثمارات والكفاءات فنحن بحاجة كبيرة الى منطق ديمقراطي جديد في مقاربة الشأن العام لذلك في حال تمّ التوافق على إنتخاب رئيس للجمهورية فإن ذلك لوحده ليس كافيا لان يعتبر عتبة الإنقاذ او الخروج من المُعضلات.

بالنسبة لمستقبل العلاقة بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ يرى الشاعر انها علاقة مبنية على المصالح الطائفية والشخصية في وجه مصالح طائفية وشخصية اخرى ولا يُمكن ان تستمرّ في ظلّ اي خلل في اسباب وجودها ولا يمكن ان تنجح بسبب الغاية منها. لا بناء لأي دولة يهيمن عليها منطق طائفي وايديولوجي غير مُلائم لأي نوع من انواع الديمقراطية الصحية والتي اساسها تحرّر الفرد ورخائه.

واضاف الشاعر، ان إمكانية أن يذهب التيار إلى التوافق مع القوات اللبنانية وحزب الكتائب والبطريركية على مرشح رئاسي واحد متعلقة بكمية الاحقاد التي تحكم هذه الاطراف حيث أنها اقوى من امكانية جمعهم حول هدف واحد، وفي مطلق الاحوال هم ليسوا احراراً مئة في المئة في خياراتهم واي اتفاق بينهم لا يمكن ان يكون لصالح اي منهم كونه بحاجة الى تنازلات كبيرة. 

واكمل الشاعر،أما فيما يختصّ بالوسائل والخطط التي لم تعتمدها القوى السياسية صاحبة القرار لمعالجة الأوضاع الإقتصادية والمالية عمداً او تقصيراً او تآمُراً فلا أرى أي مصلحة لهذه الطبقة بأي اصلاح ستدفع هي ثمنه قضائياً او شعبياً او مالياً. كما لا قدرة لهذه الطبقة على وضع وتنفيذ خطة سياسية واقتصادية شجاعة واستشرافية. إن سيطرة المافيا على الدولة واستعدادها للقتل والدخول في حروب من اجل الحفاظ على مُكتسباتها في ظل تنوّع النسيج اللبناني وعدم القدرة على توحيد الهوية اللبنانية بشكلٍ واضح ومُشترك لدى الجميع.

 أيضا إن الدستور اللبناني بحاجة الى تعديل ولكن اي تعديل يشترط عدة أمور وكل ذلك لم يتم احترامه يوماً .. مثلا لا يمكن ولا يجب ان يتمّ اي تعديل في ظل اي فراغ رئاسي وتحت الامر الواقع وفي ظل فقدان المجلس النيابي والحكومة للشرعية الشعبية للقيام بذلك.

وختم الشاعر مداخلته بالقول بأن التقديرات المُرتبطة بالعام ٢٠٢٣ هي سيئة جداً مع احتمال بعض الإنفراجات في حال تمّ انتخاب رئيس يحظى بغطاء دولي لحلّ الازمة الاقتصادية، إلا انه يبقى متفائلا نسبياً لأن هذه الطبقة لديها مصالح في نهاية المطاف ولا تريد ان تُفرّط بها بالكامل ولأنها قد تتعرّض للضغط من الخارج، وستكون مُرغمة على الرضوخ ولو بعض الشيء. ولكن في نهاية المطاف ان الخسارة كبيرة لدرجة اننا بحاجة الى عشر سنوات على الاقلّ من العمل على تطبيق اصلاحات جذرية في جميع مفاصل الدولة ولا ارى جوّاً مُؤاتياً لذلك. 

قد يزدهر الإقتصاد من جديد بسبب عوامل كثيرة محلية واقليمية ولكن ان لم يترافق ذلك بورشة اصلاحية شاملة يُخّفف فيها حجم الدولة ويُفعّل دورها الناظم والحيادي المبني على توظيف الكفاءات وتفعيل الحكومة الإلكترونية والمحاسبة من خلال اجهزة رقابية وقضائية وبناء رأي عام وطني وهوية مُشتركة ولامركزية فاعلة وحياد سياسي ونظام تعليمي عصري وديمقراطي وجيش وقوى امنية تحتكر استخدام العنف وحماية الحدود ومكافحة الجريمة وفرض الامن وذلك كله كمدخل اساسي لأي وحدة وطنية وتطوّر اقتصادي ووقف النزيف البشري والفكري والحضاري والانساني ومكافحة الفقر والتخلف والجهل والتطرّف والفساد والهدر. 

من دون ذلك سيخرج لبنان من التاريخ وسيخسر في الجغرافيا وقد لا يعود من مُبرّر لدوره او لبقائه كما هو في حدوده وفي تنوّعه.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal