تدخلت العناية الإلهية في اليوم الأخير من العام 2022 وأنقذت 232 مهاجرا غير نظاميا من أصل 234 كانوا على متن مركب غير شرعي إنكسر محركه في عرض البحر على بعد 30 ميلا من شاطئ بلدة شكا ـ قضاء البترون.
كما أبعدت هذه العناية عن لبنان كارثة جديدة ما كان قادرا على تحمل تداعياتها في ظل الظروف والأوضاع الصعبة التي يعيشها، خصوصا أنه كان بين المهاجرين والموت دقائق قليلة، لولا مسارعة القوات البحرية في الجيش اللبناني الى تلبية نداءات الاستغاثة والوصول إليهم والمباشرة بعمليات الانقاذ التي شملت جميع الركاب باستثناء إمرأة وطفلة توفيتا بعدما سقطتا في المياه الباردة خلال قيام زورق تابع لقوات اليونيفل التي ساعدت في عمليات الانقاذ بنقلهما حيث إنقلب بفعل السرعة.
حتى الساعات الأولى من فجر اليوم الأول من العام 2023، بقيت الأجهزة الاغاثية والاسعافية من الصليب الأحمر اللبناني وجهاز الطوارئ والاغاثة التابع للجمعية الطبية الاسلامية، والدفاع المدني ـ إقليم طرابلس تعمل على إستقبال الناجين في مرفأ طرابلس وتقديم الاسعافات الأولية لهم ونقل من هو بحاجة الى مستشفيات المدينة، فيما نقل الدفاع المدني جثتيّ السيدة حميدة خالد طفران والطفلة وفاء محمد جميل الفيزو (وهما سوريتان الأول في العقد السابع من العمر والثانية عمرها خمس سنوات) الى براد المستشفى الحكومي في القبة، في حين أشارت معلومات الى أن السيدة المتوفاة هي والدة المهرب الذي خطط لهذه الرحلة غير النظامية.
تشير المعلومات الى أن المركب كان على متنه 234 مهاجرا، 222 سوريا، 6 لبنانيين، 5 عراقيين، وفلسطيني واحد، وأن الجيش اللبناني أوقف 11 شخصا من بينهم سوريين ولبناني وفلسطيني، ونقل السوريين الى شدرا في عكار بإنتظار قرار قضائي يقضي بترحيلهم الى بلدهم، وأطلق سراح الآخرين.
وتضيف المعلومات أن الخطة التي أعدت لانطلاق الرحلة غير الشرعية كانت مُحكمة، حيث إختار المهربون اليوم الأخير من السنة مستغلين الإسترخاء الأمني، ونقلوا المهاجرين من مناطق تجمّع مختلفة من بينها العبدة والمنية الى ثلاث نقاط أعدت للانطلاق في الحريشة وشكا وسلعاتا حيث إستخدموا بداية مراكب صغيرة (فلوكة) وصولا الى المركب الذي كان متواجدا في عرض البحر وهو لا يتسع لأكثر من عشرة بالمئة من عدد الركاب الذين تم حشرهم فيه، الأمر الذي أدى الى تعطل محركه بعد ساعات على إنطلاقه، فبقي عرضة لحركة الأمواج لفترة غير قصيرة ودخلت المياه إليه وكاد أن ينكسر ويغرق هو ومن فيه لولا عمليات الانقاذ السريعة التي قامت بها القوات البحرية في الجيش بمساعدة اليونيفل.
وفتحت هذه الحادثة ملف الهجرة غير النظامية عبر البحر مجددا، خصوصا أن العام المنصرم شهد حوادث عدة منها ما كان كارثيا وأدى الى غرق العشرات من المهاجرين، في وقت تبدو فيه مافيات الاتجار بالبشر ماضية في عملها وإن بشكل متقطع عندما تسنح لها الفرصة، وما يزيد من المخاوف هو أن يتحول لبنان الى مقصد تستخدمه المافيات للهجرة غير النظامية، لا سيما في ظل المعلومات التي تحدثت عن قدوم أشخاص من سوريا للذهاب في هذه الرحلة، إضافة الى وجود عراقيين للمرة الأولى، فضلا عن المبالغ الضخمة التي يدفعها المهاجرون والتي وصلت الى حدود خمسة آلاف دولار على الشخص الواحد ما يعني أن كلفة المركب الذي تعرض للغرق كانت أكثر من مليون دولار أميركي تذهب جميعها لمافيات الموت التي يبدو أنها ماضية في توسيع نشاطها.
مع إنقاذ ركاب المركب المنكوب، وتوقيف المهربين المسؤولين عنه، بات لدى الأجهزة العسكرية والأمنية ما يكفي من المعلومات للتوصل الى الرؤوس الكبيرة والمدبرة لهذه المافيات التي تخطى دورها عمليات تهريب البشر باتجاه أوروبا الى إرتكاب جرائم الابادة الجماعية والتي لم يكن المركب الأخير بعيدا عنها، ما قد يساعد في الحد من هذه العلمليات وفي كشف اللثام عمن يقف خلفها وتقديمه الى العدالة!..
Related Posts