يطوي اللبنانيون عند الساعة الثانية عشرة من ليل السبت ـ الأحد العام 2022 بأزماته ومعاناته ومآسيه، ويستقبلون العام الجديد 2023 ببعض أمل بأن تنطلق مسيرة الدولة بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، لانقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.
كان العام 2022 بالنسبة للبنانيين مثل السفرجلة “كل عضة بغصة”، فكانت أيامهم محفوفة بالمخاطر التي أرخت بثقلها على تفاصيل حياتهم ماليا وإجتماعيا وإنسانيا وصحيا، وكانت لياليهم سوداء غارقة بظلام دامس، بفعل الغياب الكلي للتيار الكهربائي الذي وعد المسؤولون عنه والمعنيون به خلال سنوات خلت بأن يكون 24 /24، فإذا به كذلك بالعتمة الشاملة التي لم يشهدها لبنان في تاريخه، ما دفع أصحاب المولدات الى التجرؤ على جيوب اللبنانيين من دون تمييز بين غني أو فقير، ومن دون تدخل رسمي، أما الأيام التي هربت من تلك المشاكل فقد نغّصتها التجاذبات السياسية والخلافات والانقسامات والاتهامات التي ملّها اللبنانيون وملّ أصحابها.
لا يمكن لأي كان أن يقلّب صفحات العام 2022 في لبنان من دون أن يعرّج على الانهيار المالي والاقتصادي الكلي الذي شهده، حيث إرتفع سعر صرف الدولار الأميركي في السوق السوداء عن السعر الرسمي الى أكثر من 30 ضعفا، فبلغ عتبة الـ 48 ألف ليرة، قبل أن يواجهه مصرف لبنان برفع سعر صيرفة الى 38 ألفا والسماح للمواطنين بتحويل ملايينهم من الليرات الى دولارات على هذا السعر للاستفادة من الفارق القائم بين صيرفة والسوق السوداء.
وبالطبع فقد إنعكس الانهيار الكلي جنونا في الأسعار من المحروقات التي ضربت أرقاما قياسية، الى الأدوية التي بلغت حدا لا معقول دفعت بعض الصيدليات الى أن تبيعها للمرضى “بالحبة، أو بالظرف”، الى المواد الغذائية التي كشفت جشع تجار الأزمات الذين تلاعبوا بقوت الناس، الى سائر الحاجات الأساسية للمواطنين التي بات تأمينها يحتاج الى ميزانيات ضخمة غير متوفرة في ظل تمدد أفقي للفقر والعوز والبطالة ما جعل أكثر من 80 بالمئة من اللبنانيين تحت خط الفقر، بالرغم من محاولات المغتربين التخفيف من وطأة الأزمة المعيشية بالمساعدات المالية أو العينية التي يرسلونها من الخارج.
كثيرة هي المآسي التي طَبَعت هذا العام، وترسخت في أذهان اللبنانيين، وغطى وجعها البلاد بطولها وعرضها، خصوصا بعدما وجد تجار الموت الطريق الأسهل لجمع الأموال الطائلة من خلال إغراء الفقراء بالسفر الى أوروبا لتأمين العيش الرغيد والمستقبل الواعد، ومن ثم إغراقهم في البحر رجالا ونساء وأطفالا من دون ديّة، حيث كان العام 2022 عام الهروب من لبنان في هجرة نظامية أفقدت لبنان كفاءاته وطاقاته وشبابه، وهجرة غير نظامية أغرقت كثيرا من فقرائه وضاعفت من حجم الحقد واليأس.
من لم يُقتل في البحر، قُتل إنتحارا بفقدان الأمل، وعلى الطرقات بإشكالات مسلحة أو برصاص طائش أو بحوادث سير، أو مات على باب مستشفى أو مرضا في منزله، أو بوباء من الكورونا الى الكوليرا، بعدما أصبحت المستشفيات حصرا لمن يمتلك المال، مع إنعدام قدرات الهيئات الضامنة الرسمية، وتحصن شركات التأمين بالفريش دولار، ناهيك عن التفلت الأمني الذي تُرجم بعمليات سلب وسرقة وإعتداءات وتصفية حسابات في الشوارع وهي كلها مرشحة لأن تتنامى مع تمدد الفقر وإرتفاع حدة الصعوبات المعيشية.
في السياسة، كان عام الانقسامات العامودية، وسقوط تحالفات وتهديد أخرى، وعام الشغور الرئاسي، والاعتداء على الدستور بتعطيل أحكامه وبنوده، والجمود الذي أرخى بثقله على المؤسسات الدستورية والقضائية وما يزال، من تعطيل تشكيل الحكومة قبل إنتهاء عهد الرئيس ميشال عون لكونها لم تأت تشكيلتها على قياس رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، الى تعطيل إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، الى المحاولات الجارية لتعطيل إجتماعات حكومة تصريف الأعمال لتسيير شؤون الناس، الى تعطيل المراسيم الصادرة عن الحكومة، وصولا الى إستهداف الجيش الذي كان بقعة الضوء الوحيدة في هذا العام المظلم، وما سبق ذلك، من تعطيل قرارات حول تشكيلات وتعيينات وأخرى تتعلق بالكهرباء والاتصالات وشؤون المواطنين، وإجراء إنتخابات نيابية لم تبدل من المشهد كثيرا بل زادت من حدة الانقسامات.
كما تنامت اللغة الطائفية التي حاول البعض إستمالة الشارع من خلالها تحريضا وشحنا، لا سيما تحت عنوان “حقوق المسيحيين” وصلاحيات رئيس الجمهورية، وإختراع عدو يريد سلبها أو مصادرتها، وذلك بهدف تحقيق بعض المكاسب على حساب الوحدة الوطنية والسلم الأهلي الذي إهتز مرات عدة بفعل الطيش السياسي الذي لا يبدو أن أصحابه مقتنعين بضرورة الاقلاع عنه في العام 2023.
مع إنطلاق العام الجديد، يتطلع اللبنانيون الى التخفيف من الصراعات والتجاذبات السياسية، والى تضافر كل الجهود من أجل مواجهة الأزمات التي تتوالد يوميا، والى عمل حكومي ناشط يحرص الرئيس نجيب ميقاتي من خلاله على تسيير شؤون الناس رغم العراقيل والصعوبات والتعطيل، وهو ما يزال على إصراره في إنعقاد جلسات لمجلس الوزراء عندما تدعو الضرورة، وذلك الى حين عودة الانتظام الى المؤسسات الدستورية بإنتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة.
Related Posts