سوف تتراوح ردود الفعل والتقييم حول نتائج قمة بغداد التي انعقدت في الاردن بعد ان اجتمع فيها دول محيط العراق وبعض دول الخليج مع حضور اوروبي لافت اضافة الى حضور مؤسسات عربية ودولية ..
وعلى الرغم من ان من اهداف القمة المحددة بحث موضوع الارهاب والوضع في سوريا ولبنان الا ان سوريا ولبنان كانا غائبين عن المؤتمر مع غائب اكبر هو فلسطين اضافة الى غياب اليمن وموضوعها وكذلك الغياب المباشر للولايات المتحدة الاميركية ناهيك عن الغياب الروسي والصيني بما يعكس الاستمرار في معالجة ما يُسمى مشاكل المنطقة في نطاق جوانب المشكلات وبعض نتائجها وفي اطار تخفيف التوتر في احسن الاحوال ولكن تحت عناوين كبرى …!!
واذا كان المشاركون والاعلام ركزوا على ما وصفوه “امتحان ديبلوماسي وسياسي لرئيس الحكومة الجديد للعراق السيد السوداني” ونجاحه في وضع العراق خارج المحاور واقناع الجميع باعتماده سياسة “النأي بالنفس” وعلى احتمال تقارب سعودي ايراني واعتبار هذين الموضوعين اهم عاملين في تقييم نتائج اعمال المؤتمر.. فإن هذا الأمر يُؤشر الى عدم الافادة من محدودية وشكلية نتائج مؤتمر بغداد الاول وإلى الإصرار على بقاء المعالجات لقضايا المنطقة ضمن نطاق “النوايا الحسنة والمهرجانات الاعلامية “..
اقول ذلك لأسباب عديدة منها ما يتعلق بمضمون ومبررات عقد المؤتمر ومنها ما يتعلق بالشكل… وسأبدأ بالمضمون لأنه سيوضح اكثر شوائب الشكل التي ستنعكس ايضا على المضمون …
في المضمون :
١- لم يأخذ المؤتمر بعين الاعتبار ان المبرر الاساسي الذي كان وراء احتلال العراق وما حصل بعده من تطورات لم يكن طبعا احتلال الكويت الذي كانت كما يعرف الجميع شجعت عليه السفيرة الاميركية في العراق آنذاك…… كما لم يكن “النظام الدكتاتوري” وضرورة تحرير الشعب العراقي منه.. ولو كانت هذه الحجج الوهمية هي المبررات المعلنة.. ولو كانت الديموقراطية والحرية هما الهدفين لاستوجب ذلك اهداف اخرى لم تستهدف كونها “صديقة” للولايات المتحدة الاميركية..
وعليه فإن السبب الفعلي لكل ما حصل في العراق هو التطور العسكري والعلمي للعراق والذي تعتبره اميركا والصهيونية انه يهدد مستقبل الكيان الاسرائيلي … وبالتالي فإن المستهدف كان هو دور العراق في المنطقة لضرورات حماية الكيان الاسرائيلي..
٢- ان كل ما حصل في المنطقة بعد احتلال العراق ان لجهة حصار ايران وسوريا ولبنان او لجهة ضرب استقرار ومركزية الدول العربية في افريقيا او المغرب العربي او احداث ازمات اقتصادية حادة في الدول العربية الاخرى واسقاط اقتصاداتها تحت ديون صندوق النقد الدولي وبالتالي تحت المقصلة الاميركية.. اولجهة حرب اليمن التي اوقعت دول الخليج في نفق حرب عبثية بين الاخوة هدرت ثروات كبيرة لهذه الدول.. او لجهة افتعال عداوات وهمية عبر معلومات وسياسات مضللة لاستبدال العداء لاسرائيل باستحداث عدو بديل هو ايران وتشجيع التطبيع مع العدو الاسرائيلي لمواجهة العدو الوهمي المستحدث !!!
٣- ان كل ذلك يدل بوضوح ان مواجهة مسألة الامن القومي العربي هي كانت المبرر الاساس لكل ازمات الدول العربية وللجوار المعادي للكيان الاسرائيلي كما هو حال ايران وبالتالي فإن مسألة الأمن القومي هي الموضوع الاساس لأي مؤتمر يهدف الى تحقيق معالجة للازمات القائمة ولتحقيق الاستقرار والتنمية والرخاء لشعوب المنطقة ….
٤- بما ان العنوان الرئيسي للامن القومي هي قضية فلسطين ودور الكيان الغاصب الاسرائيلي وان هذه القضية هي سبب الازمات والحروب والحصارات وان مفتاح المعالجة يبدأ منها فإن اي مؤتمر في المنطقة يجب ان يحمل عنوانها ويحضره كل المعنيين بها وفي طليعتهم السلطة والقوى الفلسطينية وسوريا ولبنان الخ…
٥- ان خلو مضمون المؤتمر وجدول اعماله من موضوع الامن القومي واستبداله بعناوين شكلية تتعلق بتخفيف التوتر وتحقيق اتفاقات اقتصادية وما شابه، هو بلا شك يحوّل المؤتمر الى تظاهرة اعلامية فارغة المضمون والفاعلية وتنتهي مفاعيلها بانتهاء المؤتمر كما حصل في مؤتمر بغداد الاول …..
في الشكل. :
اما في الشكل فيعكس حضور المؤتمر غياب المضامين الحقيقية.. فإضافة الى الدول المعنية بالامن القومي الغائبة يغيب من حيث الشكل تعريف فعلي للمؤتمر فهو ليس مؤتمرا دوليا بدليل غياب القطبين الدوليين الاساسيين حاليا وهما من جهة الولايات المتحدة الاميركية ومن جهة ثانية روسيا والصين واذا كان غيابهما ناتج عن مانع حقيقي وهو عدم امكان عقد اي مؤتمر دولي حاليا بسبب حالة انعدام التوازن في التوازنات الدولية في مرحلة تغير التوازنات فإن الحضور الفرنسي والاوروبي افشل العنوان الرئيسي للمؤتمر المتمثل بعدم الدخول في المحاور الدولية كون اوروبا حاليا تمثل تابعا للمحور الاميركي وكان الاجدى الحضور الاميركي المباشر لكان على الاقل وفّر على الاردن احداث الشغب الرسالة التي رافقت انعقاد المؤتمر وكذلك وفّر على العراق هجوم داعش الرسالة ايضا والذي ادى الى قتلى وجرحى مدنيين ….
ثم ان اي خروج من المحاور الدولية يستوجب اجماعا من الحضور ويستوجب بالتالي اطارا اقليميا حاميا شبيها مثلا بمحور عدم الانحياز الذي كان الزعيم عبدالناصر احد مؤسسيه، وعلى ان يتم تشكيله من ضمن مشروع للامن القومي.
وكل ذلك لم يتوفر للمؤتمر الذي انعقد ولم يكن اصلا من ضمن رؤيا لمبررات عقد المؤتمر.
خلاصة الأمر، مؤتمر بغداد ٢ كمؤتمر بغداد ١ تنقصه الرؤيا السياسية وبالتالي محكوم بعدم الجدوى، ولا يتعدى التظاهرة الاعلامية لتغطية حاجات فئوية..
Related Posts