لا زال الإستحقاق المركزي المرتبط بضرورة الإسراع بإنتخاب رئيس عتيد للجمهورية، محاطاً بأخطار عديدة، لا سيما إذا تم الإستمرار في الإنقسام العامودي الحاد بين مختلف الكتل النيابية وعدم الإكتراث بأهمية إعادة إنتظام الحياة السياسية والدستورية والتشريعية، وغياب أية تسوية ترتسم من خلالها ملامح المستقبل الوطني، لبلد يختزن كل هذا الكم الهائل من الأزمات المتفاقمة، بالرغم من أن محمود رياض الأمين العام لجامعة الدول العربية ووزير الخارجية المصري الأسبق جزم- بإعتباره متابع فذ لتطورات الأحداث في لبنان- و منذ زمن بعيد ” أن الصيغة اللبنانية قد إهتزت بفعل الهزيمة التي لحقت بالدول العربية جراء حرب حزيران ١٩٦٧ وكان لها تداعياتها السلبية على الوضع الطائفي الذي يسميه “الفسيفساء اللبنانية المتشابكة والمرتبة في نظام دقيق”.
ويستمر الإنقسام السياسي بين اللبنانيين، بالرغم من إنكفاء تأثيرات العوامل الإقليمية وعناصرها في مرحلة من المراحل التي شهدتها الساحة اللبنانية والتي تفاقمت فيها وبشكل فظ تاثيرات تلك العوامل، وترافق هذا الإنكفاء مع تعزيز لغة الحوار الوطني في ظل مناخ آخر بهدف الوصول الى بناء لبنان مستقر في ظل مؤسسات وطنية، لم يتحقق إحيائها وتجديد دورها التنظيمي، في وجود سباق محموم الى التسلح الدائم، بين أطراف عدة، يتحكم بها مبدأ النزاع، الحافز المحوري للإنقسام الحاد وعدم التفاهم الدائم حيث شهد المجتمع اللبناني بروزاً لقوة لبنانية وازنة لا تستهين بالتهديدات الإسرائيلية وتواجه المطلب الماروني المزمن بضرورة نزع السلاح من أيدي ميليشيات باتت تحكم وتتحكم في المستقبل اللبناني، بشكل أو بآخر، ويؤدي أسلوبها برأي المارونية السياسية وأخواتها من الطوائف اللبنانية الأخرى، الى تدمير لبنان إقتصادياً وإجتماعياً.
وما لبث هذا الموقف أن إتسعت دائرته لتشمل المكون السني حيث إزداد حماس البعض من أبناء هذا المكون الى إعتبار ١٤ شباط 2005 الدامي الذي نال من المركز السني الأول في التركيبة السياسية اللبنانية، هو مفصل تاريخي دخل معه المسلمون السنة في رحاب الجمهورية اللبنانية، وباتوا في قلب لبنان، بعد أن ظهرت الحقيقة الواضحة للعيان، أن ركناها إغتيال رفيق الحريري والهوية الوطنية الجديدة، أما آخرون وقد جذبتهم روح التطرف وعدم التسامح، فسلكوا طريق الكشف عن عناوين الإستهداف لطائفة بدأت تعاني إحباطاً مشابهاً، سبقتها عليه الطائفة المارونية في وقت أصطلح على تسميته بزمن الوصاية، وبتأثير من إتفاقية قسرية، وجدت فيها تعدياً صارخاً على صلاحيات المقام الأول في الجمهورية اللبنانية، الممثل بالرئاسة الأولى إذ من المتعارف عليه أنها إتفاقية هدفت الى إحلال الوفاق الوطني لوضع حد لحرب دامية تكاد لا تخبو نيرانها في وقت ما حتى تستعر في أوقات أخرى وبأشكال متنوعة.
وبالرغم من تفشي ظاهرة الإحباط السني في الحياة السياسية الراهنة، فإن أحد ألمع النخب الإسلامية الأكاديمية الذي قتل غيلة، كان قد تنبه بفكره المستنير وبنظره الثاقب في مجريات الأمور الوطنية العامة، وبشكل محوري في التوازن السياسي الدقيق بين المكونات الكيانية، الى أن المطلوب من لبنان في كل حين إستكمال عملية السلام وكل ما يؤدي الى مزيد من الأمن والإستقرار تمهيداً لعودة الحياة الطبيعية الى البلاد والشروع في مساعي التنمية والإزدهار.
وتطرق هذ العلاّمة الى مسألة الحوار الوطني، فإستدرك منذ وقت مضى عليه زمن بعيد قائلاً: ” ينبغي أن يكون للحوار حكم ذو مهابة يوجه أساليبه ويحرك مسيرته ويشرف عليه وهذا الحكم في نظرنا هو العهد الجديد متعاوناً مع حكومته الجديدة التي تتبنى ضمن مسؤوليتها المتعددة السعي الجدي لإقامة هذا الحوار بغية الوصول الى الهدف المنشود الذي هو توحيد الوطن وإعادة بنائه على أسس العدل والمساواة والعلم والإيمان والشورى الديمقراطية .أما بالنسبة للميثاق الوطني فقد رأى هذا البصير أن هذا الميثاق الذي وضع في مطلع الإستقلال وفي ظروف خاصة، يبدو وبالرغم من أن التفاهم قد تم عليه في حينه، فإن مفعوله السياسي قد إنتهى. وأن الزمن قد تخطاه لأنه كان دستوراً شفهياً غير مكتوب غذى روح الطائفية ، من غير قصد من واضعيه، وان كان في تلك الأيام قد إنسجم مع الأوضاع الطائفية في لبنان، وبموضوعية تامة وتقدير كامل للظروف الدقيقة المحيطة بنا فقد أعلن مراراً في تصريحاته وخطبه ومقالاته وندواته أنه لا مناص لنا من تخطي ذلك الميثاق إذا كنا جادين في مواجهة التطورات السريعة المتلاحقة في المجتمع الحضاري الحديث. وأضاف:” أقول بكل بساطة إن هذا الميثاق الوطني لم يعد صالحاً في الوقت الحاضر بعد كل الذي إستجد في الساحة اللبنانية ولنكن إذن صريحين ولنقلها من دون مواربة،لا بد من وضع أسس جديدة تلبي حاجات لبنان الإقتصادية والاجتماعية الجديدة وننتقل بلبنان من حلف الطوائف والعشائر الى دولة العدل والمساواة . أما اللامركزية السياسية فلا تصلح للمجتمع اللبناني وهي عامل للفرقة والإنقسام ونعتقد جازمين بأن هذه الصيغة لا تصلح للبنان الذي نريده ان يبقى دائما موحداً في بنيته وشعبه ومؤسساته وأن كل الاشكال التقسيمية مهما تعددت مشاريعها وتنوعت .انا مع غالبية الوطنيين الحريصين على سيادة لبنان ووحدة شعبه وحضارته”. ويتساءل متابعاً بمرارة وإستغراب وألم أيضا كيف يتيسر لدعاة التقسيم باي شكل من اشكاله أن ينعموا بالرفاهية والازدهار ويضعوا مشاريعهم موضع التنفيذ وظلوا يفتقرون الى دولة عصرية متماسكة لها مقوماتها الأساسية ولها هيبة تفرضها في هذه المنطقة الحساسة الملتهبة من مناطق العالم. حتى أن الحديث عن التعددية الحضارية بات ضاراً بسمعة لبنان فوق ما يورثه مثل هذا التفكير من تصور خاطىء لتفكيك غير حقيقي بين مواطني البلد الواحد”.
ومن يصدق أن هذه المواقف المتقدمة لمفكر سياسي إسلامي من طراز أكاديمي رفيع هو فضيلة الشيخ الدكتور صبحي الصالح الذي أضاء على عوامل ومرتكزات الإنقسام عند كل إستحقاق وطني سجلها المغفور له في الصفحة الثالثة من صحيفة المحرر اللبنانية الصادرة يوم الإثنين الواقع فيه ٢٥ نيسان من العام ١٩٧٧ وهي مواقف متقدمة على واقع حال الإحباط الذي يعانيه المكون السني في بدايات العقد الثاني من الألفية الثالثة.
وفي المنقلب الآخر من المواقف السياسية لم يفاجىء سيد المقاومة حسن نصرالله الرأي العام اللبناني حينما كشف عن المواصفات التي يجب أن تتوافر في الرئيس المقبل وهي أن يكون مطمئنا للمقاومة، لا يخاف الأميركيين ويقدم المصلحة الوطنية على خوفه، ولا يُباع ويُشترى، أي اننا لا نريد رئيساً يغطي المقاومة وإنما رئيس لا يطعنها في الظهر.
ويذهب رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد ليؤكد قائلاً” أننا في مواجهة الإستحقاق الرئاسي نعرف من نريد ونتحرك من أجل أن يأتي إلى الرئاسة من نريد” ، موضحاً أن “الشغور الرئاسي يصنعه عدم التفاهم على الرئيس اللائق بشعبنا المقاوم، وعندما يحصل هذا التفاهم، يكون هناك رئيس للجمهورية”.
ويؤكد نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم بدوره ” أنه بعد الإنتهاء من المرحلة الأولى من الترسيم بالتوقيع، ننتقل إلى جزء آخر، وهو السّعي الحثيث من أجل إقرار القوانين والمراسيم والخطوات اللّازمة لإنشاء الصّندوق السّيادي وتعديل الهيكليّات المطلوبة للتّنقيب وأشار الى أنه كان لحضور المقاومة الأثر الكبير في تحصيل الحقوق البحريّة النّفطيّة والغازيّة للبنان، وهذا إنجاز تاريخي لم يكن ليحصل لولا التّكاتف بين الدّولة والمقاومة بقوّة حراك الدّولة وقوّة تهديد المقاومة، والكلّ يشهد لهذه النّتائج”.
وهذا خلافاً لما أكده الوسيط الأميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل آموس هوكشتاين أن “الإتفاق الذي تم في ملف الترسيم يُعتبر إنجازا مهماً لأنه سيتيح للبنان وللبنانيين فرصة استثماره التي عليهم أن يستغلوها. وشدد هوكشتاين على “أهمية إستخدام مصادر الطاقة كوسائل للتطور والتقدم وتحسين العلاقات بين الدول بدل إستخدامها كأدوات حرب ونزاع”. ولفت الى أن “أمن وإستقرار الدول يؤدي حكماً الى إزدهارها”.
وأكد هوكشتاين أيضاً على أن “الأمر الوحيد الذي لن يحصل هو إنضمام لبنان الى بقية دول الشرق في الإستفادة من تطورات الطاقة لأنه لم يستطع حتى الآن البدء بالإنتاج”، لافتا الى أنه “لم تكن هناك شركة تريد القدوم الى بلد علاقته غير مستقرة مع اسرائيل”، والى “عدم التوازن بين لبنان واسرائيل، حيث تقوم اسرائيل بالتطور في مجال الغاز ما سيؤثر على إقتصادها، بينما لبنان لا يقوم بشيء”.
ويرى بعض من المتابعين الى أنه وبعيداً عن كل ما يروّج له من أن هذا الاتفاق يعد انتصاراً للبنان ويعلن دخوله في مرحلة جديدة اقتصاديّاً وسياسيًّا وأمنيّاً، فإن الغائب الأكبر عن الحدث هو مصير سلاح الحزب الذي كان القوة الدافعة وراء إنجازه وفق أدبيات الحزب، مع أنه في الآن نفسه يمهّد لإخراجه من المعادلة وصولاً إلى تجريده منه في مرحلة لاحقة لأن النفط والغاز لا ينسجمان مع الأسلحة والصواريخ وإمكانية توظيفها في تهديد المنشآت وحقول الإنتاج، ومع أن الجو الغالب على التحليلات التي تقرأ أبعاد الاتفاق تعتبر أنّه يتضمن آلية ضبط تمنع بموجبها الإسرائيليين والحزب أيضا من القيام بأيّ أعمال عسكريّة تعطل المسارات الاقتصادية المرتبطة به، ولكن لا يمكن التأكيد وفي نفس السياق أنّ الأمور يمكن أن تُضبط بهذه السلاسة.
ولقد سبق لأحد أباطرة السياسة اللبنانية وهو زعيم المختارة وليد جنبلاط أن أمطر السيد حسن نصرالله بأسئلة عديدة تمحورت حول الطائف وسلاح حزب الله فهل تبقى هناك حاجة ماسة لسلاح الحزب لأن يحتفظ به ومتى يمكنه أن يقدم على تسليمه الى الدولة وبطبيعة الحال ان إتفاق الترسيم لا ينهي النزاع مع إسرائيل ولن يشكل بأي حال من الأحوال ضمانة في أن يكون لبنان مهدداً من الجانب الإسرائيلي وإذا كان من الواقعية أن يتم إدخال سلاح حزب الله في منظومة دفاعية بحيث تكون الإمرة لدولة جديدة قوية وقادرة دون تشكيك في كفاءة الجيش وجهوزيته لأن حزب الله يدرك تمام الإدراك أن أية حملة تستهدف الجيش اللبناني ودوره الوطني أو شل أي دور له سيؤدي بلبنان الى الفتن والكوارث العمياء.
وهذا الخيار يستدعي بدوره تجاوز الأنظمة الأمنية عبر مراحل مختلفة من العهود اللبنانية لأن التجارب قد برهنت وبمعزل عن اشخاص المسؤولين(شهاب- لحودـ عون) أن النظام الأمني عاجز عن تأمين الإستقرار في المدى البعيد لانه لا يتناسب بنيوياً مع التركيبة اللبنانية ومضمون النظام الحر ، السياسي والإقتصادي. فالتعددية الطائفية هي التي أمنت نوعاً من شبه الديمقراطية التوافقية، ولو أدت الى إصطفاف مذهبي ينذر بالحروب الأهلية.
ويرى غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أنه كلّما وصلنا إلى إستحقاقِ انتخابِ رئيسٍ للجُمهوريّة ، يَبدأ اختراعُ البِدعِ والفَذْلكاتِ للتحكّمِ بمسارِ العمليّةِ الانتخابيّةِ ونتائجِها على حسابِ المسارِ الديمقراطيّ. علمًا أنَّ الدستورَ واضحٌ بنصّه وروحه بشأن موعدِ الانتخابِ، ونِصابِ انعقادِ الجلساتِ ودوراتِها الأولى والتالية، ونصابِ الانتخاب. ويتكلّمون عن رئيس توافقيّ. الفكرة مرحّب بها في المبدأ، شرط أن لا تكون حقًّا يُراد به باطل، وشرط أن يتمّ إختيار رئيسٍ حرٍّ يلتزم بقَسَمِه والدستور؛ ويكون قادرًا على وقفِ النزاعات وإجراءِ المصالحاتِ، وشدّ أواصر الوحدة الداخليّة. الرئيسُ التوافقيّ بمفهومنا هو صاحبُ موقفٍ صلبٍ من القضايا الأساسيّة، وصاحبُ خِياراتٍ سياديّةٍ لا يُساوم عليها أمامَ الأقوياءِ والمستقوِيّين، ولا أمام الضعفاء والمستَضعفين، لا في الداخلِ ولا في الخارج. الرئيسُ التوافقيّ هو الذي يحترمُ الدستور ويُطبّقه ويدافعُ عنه، ويظلُّ فوقَ الانتماءاتِ الفئويّةِ والحزبيّة، وهي تَلْتفُّ حولَه وتؤيّدُه ويكون مرجِعيّتَها وتَطمَئنُّ إلى رعايتِه.
“ليس الرئيسُ التوافقيّ رئيسًا ضعيفًا يُدير الأزمةَ، يداوي الداءَ بالداء، ويداري العاملين ضّدَّ مصلحةِ لبنان. ولا رئيسًا يَبتعد عن فتحِ الملفّاتِ الشائكة التي هي السببُ الأساسُ للواقعِ الشاذ السائد في كل البلاد. ولا رئيس تحدٍ يَفرِضُه فريقُه على الآخرين تحت ستارِ التفاوضِ والحوارِ والتسوياتِ والمساوماتِ ، أو يأتون ببديلٍ يَتَّبِعُ سياسةَ الأصيلِ نفسِها. فيَتلاعبون به كخِفِّ الريشةِ ويُسيطرون على صلاحيّاتِه ومواقفِه ويُخرجونه عن ثوابتِ لبنان التاريخيّةِ ويَدفعونه إلى رميِ لبنانَ في لهيب المحاور”.
اما الرئيس الذي نريده ” هو رئيس على مقياس لبنان واللبنانيّين، يَرفع صوتَه في وجهِ المخالفين والفاسدين ومتعدّدي الولاءات انطلاقًا من موقِعه المترفِّع عن كل الأطراف؛ والذي يقول للعابثين بمصير البلاد: كُفّوا إساءاتِكم إلى لبنان، وكُفّوا عن تعذيبِ اللبنانيّين، وكُفّوا عن المضِيِّ في مشاريعَ مكتوبٍ لها السقوطُ الحتميُّ آجِلًا أو عاجلًا لأنّها ضِدَّ منطقِ التاريخ، وضِدَّ منطقِ لبنان”.
“الرئيس الذي نريده هو الذي يَتحدى كلَّ من يَتحدى اللبنانيّين ولبنان، والذي يقضي على المساعي الخفيّة والظاهرة إلى تغيير هُويّةِ لبنان الوطنيّةِ والتاريخيّة. مهما كان شكلُ لبنان الجديدِ مركزيًّا أو لامركزيًّا، فلن نَسمحَ بالقضاءِ على خصوصيّتِه وهُويّتِه وعلى تعدّديّتِه، وعلى كلِّ ما يُمثّل في هذا الشرق من وطن شَكّلً ملاذًا وطنيًا آمنًا للمسيحيّين كما لسواهم كي يعيشوا بإخاءٍ ورِضى ومساواةٍ، وشراكةٍ فيما بينهم في دولةٍ ديمقراطيّةٍ حضاريّةٍ. فمن أجل هذه الأهدافِ الساميةِ نَشأ لبنان سنة 1920 وهكذا سيبقى”. فلا يمكن التنكر لكلِّ تضحياتِنا من أجل لبنان وكلِّ اللبنانيّين، وللشهداء الّذين سقطوا دفاعًا عن هذا النموذج الحضاري وإنقاذًا للشراكةِ الوطنيّة. هذه خصوصيةٌ ثابتةٌ مدى الدهور. وبقْدرِ ما نحن حاضرون للنضالِ والكفاحِ لمنعِ تغييرِ وجه لبنان بقيمه وبخصوصيّته، فإنّا مُستعدون أكثرَ فأكثر للتفاوضِ والحوارِ حولَ تطويرِ لبنان في إطارِ الحداثةِ والعدالةِ والحِيادِ واللامركزيّةِ الموسَّعة ومقترحاتٍ أخرى”… وإنّ الرئيس التوافقيّ المنشود لا يمكن إختياره إلّا بالإقتراعات اليوميّة المتتالية والمشاورات بين سائر الكتل النيابيّة. وأمام فشل مجلس النواب الذريع في إنتخاب رئيس جديد للجمهوريّة، بحيث كانت الجلسات الخمس بمثابة مسرحيّة-هزليّة أطاحت بكرامة الذين لا يريدون انتخاب رئيس للبلاد، ويعتبرون أنّه غير ضروريّ للدولة، ويحطّون من قيمة الرئيس المسيحيّ-المارونيّ، بالإضافة إلى فشل كلّ الحوارات الداخليّة أو بالأحرى تفشيلها من سنة 2006 حتى مؤتمر إعلان بعبدا سنة 2012.
وهذا ما دفعنا الى أن نستذكر أيضا غبطة البطريرك صفير حينما أشار في يوم من الأيام الى أن رئيس الجمهورية تحيط بإنتخابه دائماً تجاذبات الخارج”.
ولا يجد غبطته في نهاية عظته الحل ” إلّا بالدعوة إلى عقدِ مؤتمرٍ دوليٍّ خاصٍّ بلبنان يُعيد تجديدَ ضمانِ الوجودِ اللبناني المستقِل والكيانِ والنظامِ الديمقراطيِّ وسيطرةِ الدولةِ وحدَها على أراضيها استنادًا إلى دستورِها أولًا ثم إلى مجموعِ القراراتِ الدوليّةِ الصادرةِ بشأنِ لبنان. فإنّ أي تأخيرٍ في اعتمادِ هذا الحل الدُستوري والدُولي من شأن الأممَ المتّحدة أن تكون معنيةٌ مع كلِّ دولةٍ تعتبر نفسَها صديقةَ لبنان أن تتحرّكَ لعقدِ هذا المؤتمر.
ولقد رأينا أنَّ هذه الدول حين تريد تحقيقَ شيءٍ تحقّقه فورًا مهما كانت العقباتُ، ولنا في سرعةِ الوصولِ إلى اتفاقٍ لبناني / إسرائيلي برعاية أميركيّة حول ترسيم الحدودِ البحريّة والطاقة، خير دليلٍ على قدرةِ هذه الدول إذا حسمت أمرها. أنه أن يُورّط لبنانَ في أخطارِ غير سلميّةٍ ولا أحد يستطيع احتواءَها في هذه الظروف.
وهذا الموقف هو نتاج لتراث بطريركي حيث حذر البطريرك خريش في ختام جلسات مجلس البطاركة والمطارنة الكاثوليك الذي إنعقد في دير سيدة اللويزة بتاريخ 2 نيسان 1977الدولة وكل المسؤولين اللبنانيين الى أية فئة إنتموا أن يعيروا الإهتمام الأقصى بالقضايا الوطنية التي تستحقها لأن بقاء الوضع على حاله يشكل كارثة للبنان وللمنطقة بأسرها وقد يقود الى حرب عالمية؟!.
Related Posts