من رأى مشجعي البرازيل من اللبنانيين كيف خرجوا الى الشوارع بالآلاف ليل أمس، فرحا بفوز منتخبهم على صربيا، يكاد يظن أن النقل المجاني للمونديال قد إنطلق وأن مبارياته لم تعد محتجبة عن أحد، حيث بدا أن الجميع ومن دون إستثناء وعلى قاعدة “شطارة اللبناني” قد وجد حلا يمكّنه من حضور المباريات سواء عبر القنوات الأجنبية المختلفة، أو تطبيقات الهواتف الذكية والألواح الالكترونية أو عبر بعض مواقع الشبكة العنكبوتية التي تبث المباريات في مواعيدها ومن دون أية عوائق.
لا شك في أنه كان من الأفضل أن يصار الى نقل المونديال عبر شاشة تلفزيون لبنان لتكن مشاهدة المباريات أفقية على كامل مساحة الوطن من دون اللجوء الى “الشطارة”، لكن النكد السياسي والكيديات الشخصية ورفض التيار الوطني الحر إنعقاد مجلس الوزراء في ظل حكومة تصريف الأعمال والشغور الرئاسي، والحديث عن محاولات إبتزاز يقوم بها النائب جبران باسيل الذي ينتظر الجميع على “الكوع” رئاسيا وحكوميا ووزاريا لتعطيل أي إنجاز يمكن أن يحصل، هو الذي عطل ذلك، ليدخل ملف المونديال الى البازار السياسي مع محاولة بعض الأطراف تصفية حسابات معينة، وإتهام وزير الاعلام زياد المكاري بالتقصير أو تحميل المسؤولية الى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لاستكمال دائرة الهجوم عليه.
بات مؤكدا أن الرئيس ميقاتي والوزير المكاري عملا كل ما بوسعهما للحصول على النقل التلفزيوني، وقد خاض المكاري مفاوضات مضنية مع الشركة المعنية ونجح في إقناعها بإعطاء حق النقل بكلفة مماثلة لمونديال 2018، وهي خمسة ملايين دولار، علما أن الكلفة السابقة كانت عشرة ملايين دولار.
وقد سارع الرئيس ميقاتي الى عقد سلسلة إجتماعات لتلقف العرض القطري أثمرت عن تأمين المبلغ المطلوب من وزارة الاتصالات لكن هذه الايجابية إصطدمت بكيفية وآلية دفع المبلغ، حيث ينص القانون على أن أي مبلغ من المال العام يُدفع الى أي شركة خارجية يحتاج الى مرسوم من مجلس الوزراء، وهذا أمر متعذر في الوقت الراهن، خصوصا أن أية دعوة سيوجهها الرئيس ميقاتي سيجد فيها جبران باسيل ضالته ليعود الى المسرح السياسي مهددا ومتوعدا وعاملا على توتير الاجواء وربما يتمكن من إستدراج بعض القوى الى ساحته بخطاب طائفي بدأ يلجأ إليه منذ إنتهاء عهد عمه، فيما البلد لم يعد قادرا على تحمل أي إهتزاز من هذا النوع.
وهذا ما تنبه له ميقاتي الذي لا يريد إستفزاز أحد، ولا يريد أن يفتح المجال أمام أي كان لتوتير الأجواء، ما أدى الى توقف ملف المونديال عند عقبة إجتماع مجلس الوزراء، في الوقت الذي أشارت فيه معلومات الى أن باسيل الموجود في قطر سيلبي دعوات لحضور مباريات في المونديال بينما يرفض أن ينعقد مجلس الوزراء لتأمين النقل المجاني.
في هذا الاطار، يبدو أن “رب ضارة نافعة”، حيث أن الضجة التي أحدثها ملف المونديال كشف عن خمسة ملايين دولار ضائعة منذ مونديال عام 2018 حيث دفع لبنان للشركة القطرية مبلغ عشرة ملايين دولار وربما أكثر، في حين حصل الوزير المكاري على عرض بدفع خمسة ملايين دولار، فأين ذهبت الملايين الخمسة التي أضيفت على المبلغ في العام 2018، وهل سيستطيع القضاء كشف مصير هذا المبلغ، خصوصا أن المعلومات تشير الى النيابة العامة المالية وضعت يدها على ملف المونديال وطلبت من ديوان المحاسبة أن يدقق في العقد الذي جرى توقيعه في المونديال السابق.
يمكن القول، إن البلد أصبح ضحية مسؤوليه، حيث لم يعد لمصالح اللبنانيين أي إعتبار لدى بعض المتنطحين لمواقع السلطة، والذين يمنعون إنعقاد مجلس الوزراء لأمر يتعلق بفرح اللبنانيين وشغفهم، لكن ماذا لو حصل أي طارئ أمني أو صحي أو كارثي وكان لا بد من إتخاذ قرارات بشأنه في مجلس الوزراء؟!..
Related Posts