بعد المطر، يأتي الطقس الجميل”، مثل فرنسي مشهور يؤكد ان ما بعد الضيق الا الفرج، وان الضوء غالبا ما يشع بعد الظلمات .
فهل تنطبق هذا التفسيرات على الحال في كازاخستان ، وهي التي شهدت عاما مليئًا بالاضطرابات والتحديات بداية مع التظاهرات الداخلية والاحداث الأليمة التي وقعت في يناير هذه السنة ، وحتى اندلاع الحرب الروسية- الاوكرانية ؟ وهل تكون الانتخابات الرئاسية التي ستجري في ٢٠ الشهر الحالي من هذه السنة، بمثابة بزوغ فجر جديد على كازاخستان المتطلّعة نحو مزيد من الديموقراطية والاستقلالية؟
وصول توكاييف إلى الرئاسة عام ٢٠١٩
لا يخفى على أحد الطريقة التي وصل بها رئيس جمهورية كازاخستان الحالي قاسم جومارت توكاييف الى سدّة الرئاسة بعد استقالة مفاجئة للرئيس الكازاخي السابق نور سلطان نزاربايف الذي استمر لمدة ٣٠ سنة على رأس السلطة، ليتولى من بعده القائم بأعماله ورئيس مجلس الشيوخ “توكاييف” المهام الرئاسية.
وفي خطاب موجّه للشعب الكازاخي، قال الرئيس السابق نزارباييف بأن توكاييف عمل بجواره منذ الأيام الأولى لاستقلال كازاخستان، وأنّه شخص أمين ومسؤول، دعم النهج الذي سارت عليه البلاد بالكامل داخلياً وخارجياً. وقد امتدح نزاربايف عمل توكاييف في ملفي المفاوضات النووية وترسيم الحدود، وزاد ايمان الرئيس السابق به بعد انتقال توكاييف إلى العمل في الأمم المتحدة وتعيينه من قبل بان كي مون في منصب نائب الأمين العام، ومسؤولا عن مكتب الأمم المتحدة في جنيف، مما دفع نزارباييف الى العمل جاهدا من اجل ترشيحه لمنصب الرئاسة، مؤكدا في تصريح له أن” توكاييف هو الشخص المناسب الذي يمكننا أن نعهد إليه بإدارة كازاخستان”.
وهكذا ، فقد ظلّ توكاييف برأي الكثيرين ، مجرد خليفة او امتداد للرئيس نزارباييف الذي اعتُبر وكأنه ” عرّابه” . واعتُبرت شرعية توكاييف منبثقة من سلفه نزارباييف الذي ظلّ يقبض بيد من حديد على النظام السياسي وظلّ يتمتع بسلطات واسعة كرئيس لمجلس الأمن، من خلال حمله لقب “إلباسي” أو “زعيم الأمة”.
اصلاحات توكاييف بعد احتجاجات يناير ٢٠٢٢
و بعد انقشاع غيمة الاحتجاجات(يناير ٢٠٢٢) وعودة استتباب الامن في كازاخستان ، قام توكاييف بعدة اجراءات كانت بمثابة خطوة إلى الأمام فيما يتعلق بالتحرير السياسي والتطوير والتغيير ، وظهر بذلك أنه يتحرك استجابة لـ”إرادة الجماهير”.
قام توكاييف بتجريد نزارباييف من دوره في مجلس الأمن وتولاه هو بنفسه، كما وطرد العديد من أقارب نزارباييف وحلفائه من مناصبهم ، وألقى القبض على البعض الآخر بتهم الفساد. ألغى توكاييف وضع نزارباييف كـ “إلباسي” او “زعيم الأمة”، وأعاد تسمية عاصمة كازاخستان إلى “أستانا ” بعد ان كانت “نور سلطان” ، وعمل على إزالة “يوم الرئيس الأول” من قائمة العطلات الرسمية.
كما وقام توكاييف بعدة إصلاحات دستورية سعى من خلالها الى الحد من سلطات الرئيس والغاء الاحتكار ، وتعزيز دور البرلمان والغاء الحصانات، وزيادة مشاركة المواطنين في الحياة السياسية، وزيادة تعزيز حماية حقوق الإنسان. ودعا مواطني كازاخستان لصالح هذه التعديلات الدستورية الى استفتاء على مستوى البلاد ؛ الامر الذي أكّد من خلاله توكاييف حرصه على الالتزام بالمبادئ الديمقراطية وايلائه دورا كبيرا للمواطنين في صنع القرار الحكومي، وبالفعل فقد صوّت 77٪ من مواطني كازاخستان لصالح هذه التعديلات الدستورية في استفتاء وطني، جرى في يونيو هذا العام.
كما واقترح توكاييف ، في خطابه السنوي الأخير أمام البرلمان تخفيض فترة الرئاسة من فترتين مدتهما خمس سنوات إلى فترة واحدة مدتها سبع سنوات مع حظر إمكانية إعادة الانتخاب، معتبرا ان هذه المبادرة ستقضي على مخاطر احتكار السلطة وتقوي المبادئ الأساسية للديمقراطية.
انتخابات كازاخستان المبكرة في ٢٠ نوڤمبر
كان من المقرر أن تجري الانتخابات الرئاسية في عام 2024 ، أي بعد خمس سنوات من الانتخابات الاخيرة التي جرت عام ٢٠١٩ ؛ الا ان توكاييف اقترح تقديمها واجرائها في نوفمبر ٢٠٢٢ ، معتبرا ان هذه الانتخابات ستوفر فرصة حقيقية لفهم ما إذا كان الناس يتّفقون مع رؤية كازاخستان العادلة.
راى توكاييف ان هناك فرق كبير بين الشرعية والمشروعية. فهو حتى عام ٢٠٢٤ كان سيبقى قانونا، رئيسا لجمهورية كازاخستان، الا ان ما اراده هو اكثر من ذلك. اراد توكاييف ان يكتسب الشرعية الحقيقية لرئاسته ، الشرعية المنبثقة من ارادة واختيار الشعب، وليس من خيار “الأب المؤسس” ، وفي اجتماع مع الجمهور، وصف توكاييف هذا القرار بأنه “قرار صحيح”، مشدداً على “ضرورة خوض الانتخابات كمرشح، ليس لمنظمة معينة، بل لتحالف واسع من القوى الاجتماعية السياسية الداعمة للإصلاحات الجارية في البلاد”.
وعليه، فإن عملية تسمية المرشحين لرئاسة كازاخستان تحتاج على سبيل المثال، من المرشحين الحصول على توقيعات من 1٪ من الناخبين المسجلين في كازاخستان – اي من حوالي 118000 شخص على الأقل .
المرشحون للانتخابات الرئاسية في كازاخستان ( نوفمبر ٢٠٢٢)
ومع انتهاء المهلة المحددة لتقديم الترشيحات في الانتخابات الرئاسية الكازاخستانية ، يظهر ان هناك خمسة مرشحين سيواجههم توكاييف في 20 نوفمبر ، من بينهم ثلاثة رجال هم ميرام كازيكين ، رئيس مدرسة أستانا للاقتصاد في مجمع أستانا الدولي للعلوم (ISCA) ، و نورلان أوسباييف رئيس قسم أستانا في NSDP ، وزيجولي ديراباييف رئيس لجنة مجمع الصناعات الزراعية بغرفة أتاميكين الوطنية لرواد الأعمال ورئيس جمعية المزارعين، وامرأتان هما كركات عابدين وهي شخصية عامة وعضو في اللجنة الوطنية لشؤون المرأة والأسرة والسياسة الديموغرافية ، وسلطانة تورسينبيكوفا ، وهي ناشطة في مجال حقوق الإنسان . وقد حصل جميع المرشحين على توقيعات بالتأييد لترشيحهم من أكثر من ١٪ من الشعب الكازاخي.
اما قاسم جومارت توكاييف، فلا بد من التوقف عند مواصفاته العلمية العالية وهو المتخصص في العلوم السياسية والحائز على الدكتوراه من الأكاديمية الدبلوماسية الروسية في 2011، والاعتراف بعمق تجربته وحياته السياسية، وهو الذي تولى وشغل مناصب مهمة عدة في النظام الكازاخستاني، منها توليه مرتين حقيبة الخارجية ، ومنصب رئاسة الوزراء في عام 2000 ، اضافة الى مناصب دولية مهمة ، اذ انه كان يشغل منصب المدير العام لمكتب الأمم المتحدة في جنيف بين عامي 2011 و2013 ونائب امين عام الامم المتحدة، وهو بذلك كان أول كازاخستاني يشغل منصبا بهذه الأهمية في منظمة دولية…
و اليوم يتمتع توكاييف بدعم شعبي كبير بسبب الاصلاحات التي قام بها ، كما ان العفو الذي اصدره مؤخرًا عن “الإرهابيين” في يناير الماضي ساعده في كسب المزيد من التأييد الشعبي..
٢٠ نوفمبر ٢٠٢٢، الشعب الكازاخي يقول كلمته
قبل ٢٠ نوفمبر ٢٠٢٢ ، توكاييف هو رئيس لجمهورية كازاخستان. وبعد ٢٠ نوفمبر ٢٠٢٢، توكاييف هو المتوقّع ايضا لتولي منصب رئيس جمهورية كازاخستان؛
انما الفرق كبير ، كبير جدا !
الفرق يكمن في الشرعية وفي الارضية الشعبية!
فهل سيحظى توكاييف كما هو متوقع على نسبة ٧٠٪ أو اكثر من اصوات المواطنين الكازاخيين؟
وهل ستنتقل هذه النسبة من عالم التوقعات الى عالم الوقائع؟
أيام بسيطة تفصلنا عن هذا اليوم المصيري، ليثبت من خلالها توكاييف أنّه في طريقه الى صفحة جديدة في تاريخ كازاخستان المستقلة…
الكاتب إيمان دونية الكمالي
استاذة جامعية وباحثة سياسية
Related Posts