تصريحان خطيران ولافتان للإنتباه جذبا إنتباه السّاحة السّياسيّة في لبنان، والمتابعين والمواطنين على حدّ سواء، نظراً لما تضمنا من إشارات مقلقة حول مستقبل البلد في الأسابيع القليلة المقبلة، وما قد تحمله من مخاطر على مصير الكيان قد تضع في مهبّ الرّيح.
التصريح الأول أدلى به رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي خلال استقباله نقيب الصحافة وأعضاء مجلس النقابة، لمّا حذّر من أنّ “لبنان قد يستطيع أن يتحمّل أسابيع، لكنّه لا يستطيع أنْ يتحمّل أكثر من ذلك، ولا يمكن أنْ يتحمّل لبنان واللبنانيون مزيداً من التدهور”، مؤكّداً في مقابل ذلك أنّ “أولى الأولويات هي لانتخاب رئيس جديد للبلاد، وندعو إلى التوافق في هذا الإستحقاق”.
ولكي لا يُفسّر كلام برّي على أنّ ضعف قدرة لبنان على التحمّل تعني توتّر الوضع الأمني بعد الإنهيار الإقتصادي والمالي والمعيشي، فإنّه سارع إلى طمأنة اللبنانيين إلى أنّ “الوضع الأمني في لبنان مُحصّن، واللبنانيون يملكون من الوعي ما يمنعهم من الإنجرار والإنزلاق في أتون الإحتراب والفتن”.
غير أنّ طمأنة برّي اللبنانيين دحضتها تصريحات مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشّرق الأوسط باربرا ليف، التي حذّرت من “حدوث فوضى واضطرابات في حال إستمرار الفراغ في السّلطة”، وتقصد عدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية، موضحة أنّ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن “أعدت لمجموعة من السيناريوهات الفوضوية التي يمكن أن تحدث”، من غير أنْ تكشف عنها.
وذهبت ليف بعيداً في تحذيراتها مثيرة الكثير من المخاوف والهواجس لدى اللبنانيين، عندما توقعت أن “تفقد السّلطة السيطرة على الأمور. هناك هجرات جماعية، وأتصور بطريقة ما أنّ الكثير من أعضاء مجلس النوّاب أنفسهم يحزمون حقائبهم ويذهبون إلى أماكن في أوروبا، أو أماكن أخرى حيث توجد ممتلكاتهم”.
هذا التصريحان لا يمكن المرور عليهما مرور الكرام، لأنّهما صادران عن جهتين، داخلية وخارجية، مطلعتان بالتفصيل على الأوضاع العامّة في البلد، وتشاركان بشكل أو بآخر في صنع سياساته والتأثير فيها، سلباً أو إيجاباً، وبالتالي لا يمكن التعاطي مع كلامهما على أنّه مجرد تهويل و”تهبيط” حيطان، أو أنّه ممارسة ضغوطات على مختلف الفرقاء للتوصّل إلى تفاهم يُسهّل إنتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل سقوط الهيكل على رؤوس من فيه، بل إنّ الكلام السّابق الذكر للجهتين نابعٌ من معطيات ومعلومات وتحليلات لا تبعث على الإطمئنان.
وإذا صدقت توقّعات برّي وليف، كما يخشى كثيرون، فإنّ الأسابيع المقبلة ستشهد تطوّرات قد تطيح بالإستقرار الأمني الهشّ في لبنان، وستجعل الأوضاع الإقتصادية والمالية تتدهور أكثر، في ظلّ عدم وجود أيّ بارقة أمل حتى الآن، ولو صغيرة، لإيقاف الإنهيار المقبل، والخروج من القعر الذي وصل إليه الوضع في لبنان.
Related Posts