يرى أحد كبار منظّري السياسة العالمية المعاصرين، وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر (الذي قارب المئة عاماً من العمر) ان “السياسة هي فنّ وضع سلّم أولويّات”، فهل وصلت هذه النظرية الى مسامع الساسة والمسؤولين في لبنان الذي يتخبط في أزماته ولم ينجح أي منهم حتى الآن في ترتيب الأولويات لإخراج الوطن الجريح من الهوة التي إنزلق اليها؟
في الأولويات المنطقية لترتيب الأوضاع اللبنانية أن يتوافق الساسة على إيصال رئيس للجمهورية منزّه وصاحب موقف، ويسرعون بتاليف حكومة مختارة بدقة والانطلاق في ورشة إعادة بناء هذا الوطن، الذي حسدنا عليه الأقربون والأبعدون، عبر تسخير ثرواته الطبيعية (وهي كثير وضخمة) من أجل رغد وهناء أبنائه دون تمييز أو تفرقة. بل وفق معايير الإنتماء الى الوطن وحمل هويته. والاتجاه الى بناء إدارة من الكفاءات والنزاهة (وهي متوفرة بكثرة لا بل يجري تصديرها بعشرات الآلاف الى بلاد الله الواسعة حيث ينجحون باستمرار)، وبذلك نستعيد الوطن الذي تمنى قادة أفذاذ أن يتوصلوا إلى أمثاله في اوطانهم.
وفي قناعة اللبنانيين ان ساستهم ومسؤوليهم يضعون الأولويات وفق مصالحهم ومصالح المقربين منهم، متجاهلين أن البلاد غارقة في الفساد والرشوة. ولذلك يلاحظ المواطنون ان معظم الساسة والمسؤولين بغض الطرف عما هو قائم من أزمات مالية وحياتية ومعيشية ولا يبادرون الى التفتيش عن حلول لها، وإذا قاربوا بعضها فبشكل هامشي وكأنه رفعا للعتب. في حين أنهم “يشنّفون” آذان اللبنانيين وبشكل شبه يومي بتصريحاتهم ومواقفهم التي تطال مختلف القضايا السياسية التي لا تسمن ولا تغني عن جوع.
قد يقول قائل: لماذا على المسؤولين والسياسيين أن يرتبوا أولوياتهم لتخدم المجتمع؟ طالما هم مطمئنون الى أن أحدهم لن يتعرض لمساءلة أو محاسبة. ليس من قبل الدولة التي وضعت لهم حصانات تحميهم من المحاسبة، وإنما أيضا من قبل الشعب الذي يرضى بما هو قائم ويرتب أموره وفق المستجدات حتى لو كانت مؤلمة، وأنه ليس في وارد محاسبة من يسوسه لأنه يصنفه دائماً في خانة عدم الخطأ، وأحياناً يصل إلى رفعه لدرجة “المقدسات” التي لا يجوز المسّ بها.
Related Posts