الترسيم يقلب المعادلات.. إنقسام في إسرائيل وموقف لبناني موحّد… غسان ريفي

يقول بعض المحللين الاسرائيليين: “إن إسرائيل تنتظر بفارغ صبر إنجاز إتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان للبدء بإستخراج الغاز لأهداف إستراتيجية لديها، وأن السلطة الاسرائيلية تخشى من أن عدم إنجاز هذا الاتفاق وتفردها في إستخراج الغاز من حقل “كاريش”، سيدفع حزب الله الى إطلاق صواريخه على هذا الحقل، وربما ترد إسرائيل على حزب الله من خلال عدوان جديد على لبنان، ما يعني حربا ضارية ستمنع إسرائيل من إستخراج الغاز وهذا ما لا تريده السلطة الاسرائيلية”.

ويضيف هؤلاء: “لذلك، فإن السلطة الاسرائيلية وصلت الى قناعة بأنه إما أن يصار الى إستخراج الغاز من قبلها وفي لبنان، وإلا فإن هذه الثروة ستبقى أسيرة أعماق الحقول ولن يستطيع أي كان الاستفادة منها، لذلك فقد تعاونت مع الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين في الوصول الى مسودة إتفاق ترضي لبنان”. 

لا شك في أن إسرائيل لم يسبق لها أن إعتمدت مبدأ الأخذ والرد، حيث أن تاريخها الدموي والتوسعي والاستيطاني يقوم منذ تأسيس هذا الكيان على أرض فلسطين، على الأخذ فقط وعلى الاحتلال والسرقة والقتل وإغتصاب الحقوق أو التخلي طوعا عما لا تريده أو لا يلزمها في سياساتها، لذلك، فإنه لم يكن سهلا أن يتعاون العدو الصهيوني في هذا الملف الحيوي مع الجانب الأميركي، وأن يقدم تنازلات أدت الى بلبلة وإرباك في المجتمع الاسرائيلي الذي يستعد للانتخابات مطلع الشهر المقبل.

يمكن القول، إن ملف ترسيم الحدود البحرية قد قلب المعادلات السياسية، فبدت إسرائيل منقسمة على نفسها وأسيرة مزايدات يتنافس فيها رئيس الحكومة الحالي يائير لابيد الذي سارع الى الترحيب بالموقف اللبناني مشيدا بالاتفاق وما يتضمنه من بنود، ورئيس الحكومة السابق نتنياهو الذي يحاول إضعاف منافسه شعبيا باتهامه بأنه “إستسلم لحزب الله وتهديداته وقدم تنازلات كبيرة”، متوعدا أنه سيكون “في حل من هذا الاتفاق عندما يعود الى رئاسة الحكومة”. 

في غضون ذلك، ساهم ملف الترسيم في توحيد الموقف اللبناني وقد يكون ذلك من المرات النادرة، حيث يسود هدوء سياسي تُرجم في اللقاء الرئاسي الثلاثي أمس مع اللجنة التقنية، والذي أظهر أن ثمة موقفا وطنيا موحدا عبّر عنه الرؤساء، ولم يكن حزب الله بعيدا عنه، خصوصا أنه منذ البداية أكد أنه مع الدولة ومع ما تقرره في هذا الاتفاق، طبعا من دون تجاهل بعض الاعتراضات والتحفظات القانونية التي لا يفترض أن تؤثر سلبا على جوهر الاتفاق الذي من المفترض أن تبلّغ السلطة اللبنانية موقفها النهائي منه خلال يومين الى الأميركيين الذين بدورهم سينقلونه الى إسرائيل ليبقى التواصل في هذا الاتفاق غير مباشر، ومن دون أية شراكة لا في حقول بحرية ولا حدود برية.

لم يعد يختلف إثنان على أن ما تم حتى الآن من إيجابية في ملف ترسيم الحدود، كان نتيجة واضحة للضغوط التي مارسها حزب الله عبر التهديدات المباشرة وإدخاله عنصر “المسيرات” على خط المفاوضات والى أجواء حقل كاريش، الامر الذي أقنع الاسرائيليين بأن التعاون في ملف الترسيم هو أهون الشرّين، لأن الخيارات الأخرى ضيقة جدا، وربما تقتصر على خيار الحرب الذي يمنع إسرائيل من إستخراج الغاز، وهذا ما لا تريده سلطة الكيان الغاصب. 


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal