كثيرة هي الملاحظات التي يمكن تسجيلها في الجلسة الأولى التي عقدها مجلس النواب أمس لانتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفا للرئيس ميشال عون، خصوصا أن لبعضها دلالات سياسية هامة، من شأنها أن تشير الى ما يمكن أن تكون عليه الأمور في جلسات مقبلة.
كان واضحا أن ثمة إنقساما عاموديا في مجلس النواب، وأن لكل تكتل نيابي وإن كان إقترع للورقة البيضاء أو للنائب ميشال معوض أو للبنان أو غير ذلك توجهات تختلف تماما عن رأيه المبدئي الذي عبر عنه في جلسة الأمس.
الورقة البيضاء التي إعتمدتها كتلة الوفاء للمقاومة، وكتلة التنمية والتحرير، والتيار الوطني الحر، مع بعض الحلفاء والمقربين كانت عبارة عن “جس نبض” قبل الدخول في مرحلة الجدّ للتوافق فيما بينهم على مرشح واحد، ربما يحتاج الى مزيد من الوقت والمشاورات، خصوصا أن هذا الفريق وجه رسالة واضحة وصريحة بأنه يمتلك أرضية للأكثرية عبارة عن 63 صوتا، وأنه لا يحتاج سوى الى صوتين للوصول الى الرقم الذهبي 65 وأنه قادر على الوصول إليهما وربما الى أكثر من ذلك.
لكن، أزمة هذا الفريق هي داخلية، كونه لا يوجد توافق بين مكوناته على مرشح واحد، ففي الوقت الذي توحي الأكثرية بالرغبة في دعم سليمان فرنجية، يرفض جبران باسيل ذلك، ويطرح سلسلة من المواصفات والمعايير التي تنطبق عليه وتستبعد فرنجية، أو يطالب بضمانات سياسية تبقي نفوذه قائما، حيث تتحدث مصادر عن شروط شبه تعجيزية لا يمكن لأي رئيس جمهورية أن يقبل بها كونها تؤدي الى تطويقه ومحاصرته والى دخول باسيل كشريك مضارب معه في الحكم.
هذا الواقع بدأ يطرح تساؤلات خصوصا أن أحدا من التيارات السياسية ليس مرتاحا على وضعه، ولا شيئ مضمونا في الجلسات المقبلة، فإلى متى سيبقى باسيل متمردا، ومعتمدا على سياسة الابتزاز؟ والى متى سيبقى بعيدا عن التوجه العام لحلفائه؟، وأي تحالف يمكن الحديث عنه، إذا لم يكن باسيل مع حلفائه لايصال رئيس من فريقهم السياسي؟، وهل هكذا يكون التعاطي مع الحلفاء في إستحقاق حساس من هذا النوع، خصوصا أن باسيل يدرك بأن وصوله الى قصر بعبدا بات مستحيلا؟.
أما المعارضة التي لديها خيارات رئاسية عدة من القوات اللبنانية الى الحزب التقدمي الاشتراكي الى الكتائب الى بعض المستقلين، فإن خيارها في “البروفة” الأولى لجلسة الانتخاب كان النائب ميشال معوض الذي نال 36 صوتا، وسارع على أساس ما نال الى طرح برنامجه الانتخابي كمرشح رسمي لرئاسة الجمهورية، لكن ما غاب عن معوض أن الخيار المبدئي للمعارضة قد لا يبقى ثابتا إذا ما توفرت ظروف أفضل لمرشح آخر من سمير جعجع الى سامي الجميل، فضلا عن إمكانية أن يلعب الحزب التقدمي الاشتراكي دور “بيضة القبان” الذي إعتاد عليه وقد يدفعه الى تبديل خياراته.
لا شك في أن من صوّت لسليم إدة من نواب التغيير، أو للبنان أو غير ذلك، فإنهم سيكونوا قبلة الأنظار لكثير من الكتل النيابية لاستمالتهم لمصلحة خياراتها، خصوصا أن إثنين من نواب التغيير لم يلتزما مع الكتلة بالتصويت لإدة، ما يعني أن التصويت له كان بدلا عن ضائع.
ما حصل في مجلس النواب أمس، يؤكد بما لا يقبل الشك أن رئيس الجمهورية لا يمكن أن ينتخب إلا بتوافق الأكثرية النيابية التي من المفترض أن تبلغ 86 نائبا أي الثلثين الذي يجب أن يتأمن لانعقاد أي جلسة، وبالرغم من أن فريق الورقة البيضاء هو الأقرب نحو الحصول على الأكثرية سواء مع جبران باسيل أو مع غيره، إلا أن وصول مرشحه يتطلب حضور ثلثي عدد النواب وهذا غير متوفر، وكذلك الأمر بالنسبة للمعارضة التي قد تتبدل خياراتها في الجلسات المقبلة، ما يجعل التوافق خشبة الخلاص، وإلا فإن الشغور سيكون طويلا جدا.
ما لفت نظر اللبنانيين في جلسة الأمس، هو أنه في كل هذه “الهمروجة” الرئاسية، لم يفكر أي فريق أو تيار في أن يقدم مصلحة المواطنين على مصالحه، ولم يتنبه أحد الى ضرورة إنقاذ البلد بانتخاب رئيس يقطع الطريق على ما يُحضر من فتن وتوترات دستورية، ويضع حدا للأزمات الاجتماعية والمعيشية التي تتوالد وتدفع الناس الى الانتحار غرقا في البحر، بل تعاطت الأكثرية وكأن الأمور على خير ما يرام والبلد بألف خير، وغرق النواب في نوبات من الضحك واللعب ليس مكانها البرلمان وتؤكد الاستهتار بشعب لبنان.
Related Posts