الحلبي: لا يمكن أن نوفر العلم لغير اللبنانيين ما لم نؤمن العلم للبنانيين

افتتح في ثانوية رفيق الحريري في صيدا “المؤتمر التربوي: نحو عام دراسي آمن ” برعاية وحضور وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال القاضي عباس الحلبي وبدعوة من “مؤسسة الحريري للتنمية البشرية المستدامة” ممثلة برئيستها السيدة بهية الحريري ومن “الشبكة المدرسية لصيدا والجوار “، تحضيراً للعام الدراسي (2022 -2023 ) الحضوري والافتراضي، تحت شعار ” التعليم مسؤولية مشتركة”.

ويهدف المؤتمر لعرض ونقاش ومقاربة التحديات والمشاكل والصعوبات التي تواجهها المؤسسات التعليمية والأساتذة والأهل والطلاب في التعليم الرسمي والخاص والمهني مع قرب بدء العام الدراسي الجديد واستشراف الحلول لها.

بعد النشيد الوطني كانت كلمة وترحيب وتقديم من ياسمين السقا ( من فريق عمل مؤسسة الحريري)، أشارت فيها الى أن “انعقاد هذا المؤتمر التربوي يتزامن مع ضبابية في بدء العام الدراسي أو انقطاعه ما يؤدي الى حدوث اضطراب كامل في حياة العديد من الأطفال وأهاليهم ومعلميهم”, وقالت:” أمامنا اليوم مهمة واحدة، ألا وهي التغلب على أزمة التعلُّم التي نشهدها حالياً. والتحدي اليوم يتلخص في الحد من الآثار السلبية لهذه الأزمة على التعلُّم والتعليم المدرسي ما أمكن وضمان حصول جميع الأطفال على فرص تعليم جيدة متساوية. مسؤوليتنا التشاركية اليوم بأمس الحاجة إلى عمل جماعي رصين وفعّال؛ يسعى إلى: النهوض بتنمية التعليم، والمحافظة على مقوماته، ومواجهة كل ما يطاله من أزمات”… متمنية “النجاح والتوفيق في أعمال هذا المؤتمر الذي نرجو أن تصبو قراراته وتوصياته إلى حجم المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقنا جميعاً من أجل توفير عام تربوي ناجح ومنتج للطلاب”.

وتحدثت السيدة الحريري فقالت: “الطريق الى العام الدراسي ٢٢/٢٣ (سالكة وآمنة ) بإذن الله، بإرادة أهالي صيدا والجوار والجنوب… (والطريق سالكة وآمنة ) بإرادة معالي وزير التربية والتّعليم العالي… والطريق سالكة وآمنة بإرادة نائبي صيدا وشبكتها المدرسية.. الطريق سالكة وآمنة… هو ذلك التّعبير الذي كان ينتظره عموم اللبنانيين عبر الإذاعة اللبنانية الرّسمية في صباحات العام 1975 المشؤومة… ليستدلوا من خلاله عن أمنهم وسلامتهم في وصولهم وأبنائهم إلى عملهم ومدارسهم وجامعاتهم… إلى أن توقّف ذلك التّعبير خلال سنوات النزاع الطويلة… وخرج المجتمع اللبناني من قواعد إنتظامه وازدهاره واستقراره وتقدّمه وتمايزهز.. ليدخل في سنوات عجاف تركت آثارها السيّئة على تمايزه الاجتماعي والتربوي والصّحي والسّياحي والإعلامي والاقتصادي ليعيش لبنان سنوات طويلة مع الظّروف الاستثنائية والقاهرة والتي فقد خلالها كلّ أسباب وقواعد الانتظام العام”.

وأضافت: “إنّنا اليوم من خلال التّعاون الوثيق والطبيعي بين الإدارات المدرسية والهيئات التعليمية وعموم الكفاءات التربوية ومعهم الأهالي والطلاب وبرعاية كريمة من معالي وزير التربية والتعليم العالي الصديق القاضي عباس الحلبي وبمشاركة صاحبي السعادة نائبي المدينة استطعنا مجتمعين أن نعيد الأمور إلى نصابها وإلى قواعد إنتظامها لنكون شركاء في المسؤولية وتحقيق العدالة التربوية، وأن نجتمع لنضع جدول أولوياتنا وتحدّياتنا للعام الدراسي 22 – 23 وإنّني على ثقة بأنّ هذه الإرادة الجامعة تشكّل نموذجاً لنجاح مؤكّد لأنّه لا يعترض سبيلنا أيّ معوقات أو رغبات في التّعطيل وإنّنا مجتمعون بكلّ صلابة وحزم حول مستقبلٍ آمنٍ ومستقرٍ ومزدهر لإداراتنا التربوية ولمعلّماتنا ومعلّمينا لأسرنا وأبنائنا، وإنّنا مع هذا النموذج الصلب والمتقدّم نستبشر خيراً بإحداث يقظة وطنية عامة وشاملة لإعادة الاعتبار للعملية التربوية وترتيب أولوياتنا وتحدّياتنا، ولكي تعود المدرسة والجامعة الهم الأول والأهم لدى عموم اللبنانيين من الناقورة إلى النهر الكبير. وإنّ صيدا والجنوب، آثرت على مرّ تاريخها أن تكون في طليعة الطامحين والعاملين على حماية التجربة الوطنية وتألقها ونجاحاتها وتجاوز عثراتها مهما كان حجمها ومراراتها، وقد إستطعنا مجتمعين أن نتجاوزها رغم صعوبتها وهول أكلافها، وإنّنا اليوم نعيد التأكيد على أن لبنان كان ولا يزال وطناً للمعرفة، وإنّ ثروة لبنان هي الإستثمار في الإنسان”.

وألقى النائب سعد كلمة توجه فيها بداية بالتحية للمشاركين في المؤتمر، مقدراً عالياً اهتمامهم بقضية التربية والتعليم في لبنان، ولا سيما في مواجهة كلّ ما يعاني منه هذا القطاع، ويهدد بانهياره على غرار ما يحصل في العديد من القطاعات الأخرى في ظل الأزمات والانهيارات الكبرى على مختلف الصعد السياسية والمالية والاقتصادية والاجتماعية، وقال: “انطلاقاً من كون قطاع التربية والتعليم يشكل ركيزة أساسية من ركائز لبنان ومستقبل أجياله. فإن العمل لإنقاذ هذا القطاع يعد من أولى الأولويات. وإني أتمنى لهذا المؤتمر أن يسهم في لجم مسار الانهيار وفي التمهيد لسلوك طريق الإنقاذ”.

وأضاف: “كما تعرفون جيداً، هناك ظواهر شديدة الخطورة يشهدها القطاع التربوي، من بينها :ارتفاع معدلات التسرب المدرسي مع عجز الأهل عن تسديد الأقساط المدرسية المتصاعدة باستمرار، وعن دفع أثمان الكتب والقرطاسية، والعجز حتى عن دفع تكلفة تنقل أولادهم بين البيت والمدرسة. ومن هذه الظواهر أيضاً التراجع الكبير في المعدل السنوي لأيام الدراسة في ظل الإضرابات المتكررة التي يضطر المعلمون لتنفيذها بعد أن باتت رواتبهم لا تؤمن الحد الأدنى من متطلبات العيش الكريم.يضاف إلى ذلك، عجز قسم كبير من المدارس، من بينها المدارس الرسمية، عن توفير الاحتياجات الأساسية، كالتيار الكهربائي، والإنترنت، وحتى التدفئة والقرطاسية وغيرها من الأساسيات”.

وتابع: “لا بد من التذكير بأنّ القطاع التربوي، وبشكل خاص القطاع الرسمي، لم يكن في أحسن حال قبل الانهيار، بل إنّ الكثير من المشاكل والأزمات كانت تحاصره، وتمنعه من التطور والتوسع. وما يحصل اليوم هو تفاقم مشاكل القطاع وانفجار أزماته. وما تلك المشاكل والأزمات إلا نتيجة للسياسة التربوية الرسمية التي اعتمدت التضييق المالي على الجامعة اللبنانية والمدارس الرسمية، كما جعلت هذا القطاع، مثل سائر قطاعات الدولة، ميداناً للمحاصصة والمحسوبية والزبائنية”.

وفي ختام الجلسة الافتتاحية، تحدث راعي المؤتمر الوزير الحلبي فقال: “درجت مؤسسة الحريري للتنمية البشرية المستدامة على عقد مؤتمرها التربوي بالشراكة مع الشبكة المدرسية لصيدا والجوار كل سنة قبل انطلاق العام الدراسي، وهذه السنة أشارك راعياً هذا المؤتمر للمرة الأولى كوزير للتربية والتعليم العالي، أقف في رحاب هذه المؤسسة التي قدمت خدمات جليلة للتربية والتعليم ومع رئيستها السيدة الفاضلة بهية الحريري التي واكبت التربية وساهمت على مدار سنوات طويلة من موقعها كرئيسة للجنة التربية النيابية وكوزيرة للتربية في تعزيز هذا القطاع وهي من صنّاعه حين شهد نهضة في مختلف مجالاته قبل أن تدهمنا الازمات ويدخل البلد في مسار من الانهيارات نشهد فصوله راهناً ويضغط على كل القطاعات خصوصاً التربية والتعليم.”

وأضاف:” تطرح المؤسسة في مؤتمرها التربوي للعام الدراسي 2022 – 2023 موضوع التعليم الحضوري والافتراضي، وهي تحضر مع الشبكة المدرسية لانطلاقة سليمة رغم الاوضاع القاسية التي يعانيها التعليم. فالتشاور والتحضير لبدء الدراسة على غاية من الاهمية لتحديد المشكلات ومواجهة التحديات عبر خطة عمل تتضمن آليات وحلول في التصدي للأزمات. واسمحوا لي في هذه المناسبة أن أحيي الجهد الذي تبذله المؤسسة، وهو ليس غريباً عليها إذ تستند إلى إرث جسده الرئيس الشهيد رفيق الحريري الراسخ في حضرة التربية والتعليم. هذه الشخصية التي آمنت بالسلم الاهلي والإنماء والإعمار والحوار سبيلاً لحل المشكلات كان التعليم عنده من الاولويات كسبيل وحيد للنهوض والتقدم وهو الذي علّم أجيالاً من اللبنانيين في أرقى جامعات لبنان والعالم”.

وتابع: “الاستشهاد بمسيرة رفيق الحريري التي كرس جزءاً كبيراً منها للتعليم والتربية، لأن هذه المؤسسة تحفظ تجربته المضيئة، وتتابع مسيرته في هذا المضمار رئيستها السيدة بهية الحريري، على الرغم مما اصاب بلدنا من انهيارات وأزمات أثرت على قطاع التعليم مباشرة. ونحن إذ نأخذ هذه التجربة المضيئة بالاعتبار نسعى لأن تكون التربية من الأولويات ولنوفر للمدرسة الاحتضان والرعاية، وندفع بها نحو التطور والتحوّل الرقمي وتعزيز المهارات والكفايات وترسيخ بناها لمواجهة الأزمات”.

وقال: “من هذا المنطلق نعمل بكل إمكاناتنا وبتصميم على إطلاق السنة الدراسية في التعليم الرسمي والخاص لتكون انطلاقتها سليمة رغم كل الصعوبات والازمات، ونركز على تأمين مقومات التعليم الحضوري، وتمكين المعلمين والمتعلمين من الوصول إلى المدارس، وتشغيل المدرسة وسلامة أسرتها وتلامذتها ومتعلميها صحياً ونفسياً واجتماعياً. إن تحضيراتنا للعام الدراسي الجديد، استدعت الكثير من اللقاءات والاجتماعات مع كل المكونات التربوية، إضافة إلى التنسيق والتعاون، لتعويض الفاقد التعليمي، والبدء بسنة دراسية طبيعية نأمل بأن نسير بها ونتجاوز مما يحدث في البلد، أي بالعمل على تحييد التربية والتعليم عن الازمات. ولذلك كان اصرارنا على التحضير والتعويض من خلال المدرسة الصيفية التي استقطبت أعداداً من التلامذة فاقت التوقعات، ووصلت إلى 90 الف تلميذ وتلميذة. وهدفنا الرئيسي منها هو تعويض الفاقد والحد من التسرب المدرسي، وتأمين العناية بالمتعلمين”.

وأردف أنّ “تصميمنا على التعليم الحضوري له اعتبارات تتعلق باستمرارية المدرسة وتعزيز جودة التعليم. هذا لا يعني أننا ضد التعليم الافتراضي أو التعليم عن بعد، إلا أن التجربة أثبتت أننا نحتاج إلى مزيد من الخطط والتحضيرات لنتمكن من التعليم عن بعد في أوقات الأزمات. ولأننا اليوم في لحظة مفصلية في التعليم، أمامنا تحديات كبرى للسنة الدراسية المقبلة، لكننا نستند إلى رصيد حققناه خلال العام الدراسي الماضي بعبور استحقاق الامتحانات الرسمية بعدما نجحنا في إنقاذ الدراسة خصوصاً في التعليم الرسمي، وتعويض جزء مهم واساسي من الفاقد التعليمي”.

وتابع: “لكني في هذه المناسبة أريد أن أصارحكم بحجم المشكلات التي يعانيها القطاع التربوي، فإذا كانت وزارة التربية تسعى بكل إمكاناتها لتأمين انطلاقة سليمة للسنة الدراسية، وتوفير كل مقوماتها ومتطلبات الأساتذة، وإعادة التوازن إلى العملية التربوية، فإنها تحتاج أيضاً إلى الدعم والمساندة من المعنيين، ومن كل المكوّنات التربوية، فالمسؤولية عامة وعلى الجميع تحمل مسؤولياتهم في هذا المجال. إني أشعر بالوجع الذي يعانيه الأساتذة في معيشتهم وفي النقل والاستشفاء وغيرها، إلا أن ما تم اقراره والاتفاق عليه سابقاً، هناك جزء كبير منه لم يُصرف إلى اليوم. وعلى المعنيين صرف المتأخرات المالية وتسديدها من الخزينة العامة لمصلحة الأساتذة والموظفين والعاملين، وكذلك ما هو مترتب على الجهات المانحة لنتمكن من بدء الدراسة والتقدم في عملية التعليم”.

وقال إنّ “تجاوب المعنيين في الدولة بتسديد المتأخرات وتجاوب الجهات المانحة أيضاً بتوفير الاموال للسنة الدراسية الجديدة يشكلان خطوة أساسية لحلّ المشكلات بالحد الادنى. إن وزارة التربية التي تعمل بكل إمكاناتها لتسيير المرفق التربوي رغم كل الازمات وتمكنا السنة الماضية مع الجهات المانحة بتأمين منح بالدولار للمعلمين، ونسعى حالياً لاستمرارها وزيادتها في ضوء المتغيرات التي حصلت بفعل انهيار الوضع المعيشي، نؤكد تحملنا للمسؤولية، لكن ليس كل شيء متعلق بالوزارة خصوصاً في الجانب المالي. هذا يعني أن توفير مقومات الدراسة ليست كلها على عاتق الوزارة التي تقوم بمهماتها كاملة، فتأمين الاموال مسألة أساسية لنتمكن من تعليم الجميع، لكننا لا يمكن أن نوفر العلم لغير اللبنانيين ما لم نؤمن العلم للبنانيين”.

وأضاف: “إننا نعمل اليوم ورغم كلّ الصعوبات لنكون على جاهزية تامة لانطلاقة سليمة للعام الدراسي الجديد ولمواجهة كل الازمات التي تعترض طريقنا وهي كثيرة. نعمل لتأمين مساعدات للمعلمين ليتمكنوا من الوصول الى المدرسة والتعليم والعيش الكريم ونضع خططاً لتوفير المستلزمات والمقومات المالية لتمكين المؤسسات التربوية من القيام برسالتها التربوية. في منتصف العام الدراسي الماضي حسمنا خيارنا بالعودة الى التعليم الحضوري، وهو كان خياراً وحيداً للتعويض بعد حل مطالب الاساتذة في التعليم الرسمي، ومنه سلكنا خط إجراء الامتحانات الرسمية التي تُعتبر انجازاً بكل المقاييس في الظروف الصعبة والمعقدة. ومن هنا وفي حضرة هذا الجمع التربوي لمؤسسة الحريري أؤكد ضرورة العودة إلى التعليم الحضوري مع بدء السنة المقبلة، مع الإصرار على تأمين التعليم الجيد لتلامذة لبنان”.

وتابع: “هدفنا اليوم هو استمرارية التعليم. لذلك نحن من خلفية حرصنا على التعليم الخاص إلى جانب التعليم الرسمي، نشدد على أن تبقى الأقساط المدرسية بالليرة اللبنانية وفق ما ينص عليه القانون 515، وهذا الأمر يرتبط بالعدالة، فالوقت ليس للربح انما للصمود. نخاف أن يتسرب قسم من أولادنا لعجز أهاليهم عن الدفع بالدولار الفريش، وأنتم تعلمون أن المدرسة الرسمية في وضعها الحالي عاجزة عن استيعاب أعداد كبيرة من التلامذة. الاهم أن نحافظ على تلامذتنا وعلى المدرسة وأن نقدم صورة مختلفة ونموذجاً أخلاقياً يكرس القيم التعليمية والتربوية التي اعتدنا عليها”.

وختم الحلبي بتوجيه “التحية لمؤسسة الحريري للتنمية المستدامة وللشبكة المدرسية لصيدا والجوار على جهودهما في تعزيز التعليم وحماية أبنائنا وتوجيههم في العلم والمعرفة”. كما حيا “رئيسة المؤسسة السيدة بهية الحريري على عطاءاتها واصرارها على خدمة التربية والتعليم، وكل العاملين في المؤسسة والشبكة والمعلمين على كل الجهود التي يبذلونها”. وقال:”كلي ثقة وأمل بأننا نستطيع معاً إعادة الانتظام للتعليم ومعالجة كل المشكلات التي تعترض القطاع والنهوض مجدداً به، وأيضاً باستمرار المثابرة والعطاء والعمل لتطوير التعليم وتعزيز التربية في لبنان.”


Related Posts


 

Post Author: SafirAlChamal