البطريرك الراعي: لا يمكن أن نسلم بإغلاق ملف تشكيل حكومة جديدة

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الأحد في الصرح البطريركي الصيفي في الديمان، عاونه فيه الأب ميشال عبود، الأب فادي تابت القيم البطريركي على الديمان الأب طوني الآغا، أمين سر الديوان البطريركي الأب خليل عرب، أمين سر البطريرك الأب هادي ضو، في حضور قنصل جمهورية موريتانيا ايلي نصار، وفد من آل محفوض على رأسه رئيس اللجنة الاعلامية للمرشدية العامة للسجون جوزيف محفوض واقليم كاريتاس الجبة برئاسة ايليا ايليا وحشد كبير من المؤمنين.

بعد الإنجيل، ألقى عظة الأحد التاسع من زمن العنصرة بعنوان “روح الرب علي مسحني، وأرسلني” ( لو 4: 8). وقال:  “يحتفل غدا الجيش اللبناني بعيد تأسيسه السابع والسبعين فإنا نصلي من أجله: لكي يحميه الله من المخاطر، وينميه، ويشدد رابطة وحدته، ويحفظ بسلام أعضاءه. وإنا نعرب عن تهانينا وتمنياتنا للعماد قائده ورتبائه وضباطه وجنوده”.

وقال: “إننا إذ نأسف للحادث الذي حصل منذ يومين في بلدة رميش العزيزة بين عناصر مسلحة تابعة لأحد الأحزاب وأبناء البلدة، نهيب بالأجهزة الأمنية القيام بواجبها في حماية أبنائنا وطمأنتهم، فيشعرون أنهم ينتمون إلى دولة تحميهم وتضمن سلامتهم وحرية عملهم في أرضهم، بموجب قرار مجلس الأمن 1701 الذي يمنع أي قوى مسلحة من التواجد في منطقتهم”.

أضاف: “نعود اليوم، وفي ضوء الانجيل، لنتذكر أن لنا نحن المسيحيين هوية ورسالة، تتشركاننا في هوية المسيح ورسالته المثلثة النبوية والكهنوتية والملوكية، كما حددتها نبوءة أشعيا قبل الميلاد بخمس ماية سنة. الهوية هي مسحة الروح القدس التي نلناها بالمعمودية والميرون: “روح الرب علي” (لو 4: 18). أما الرسالة فمثلثة: الرسالة النبوية: “ارسلني لأبشر المساكين”(لو 4: 18). وهي العناية بكل محتاج ماديا وروحيا ومعنويا وتربويا وإنسانيا. الرسالة الكهنوتية: وهي السعي إلى خلاص النفوس وتقديسها بنعمة الفداء، من خلال إظهار رحمة الله في “تعزية منكسري القلوب”، وفي “تحرير المستعبدين” للأقوياء أو لنزوات الذات والمصالح والشر، وفي هداية العميان إلى رؤية جديدة بنور شخص المسيح وكلامه وأفعاله، وفي المصالحة والغفران للتائبين. الرسالة الملوكية “بإعلان سنة مرضية لله” (لو 4: 19). وهي إعلان الزمن المسيحاني الجديد، الذي فيه دخلت ثقافة الإنجيل العالم، لتنثقف في ثقافات الشعوب. إنه زمن المسيح الذي أتى “ليجعل كل شيء جديدا” (رؤيا 21: 5). هذا هو معنى وجودنا كمسيحيين في مجتمعات الأرض. وهذه هي رسالة الكنيسة التي تعلم وتحكم على الأفعال البشرية، بما فيها الأفعال السياسية، على القاعدة الأخلاقية: قاعدة الخير والشر، الصالح والعاطل، الحق والباطل، من أجل حوكمة أفضل، من دون الدخول في تقنياتها”.

وتابع: “من هذا المنطلق، لا يمكن أن نسلم بإغلاق ملف تشكيل حكومة جديدة، كأن الحكومة مجرد تفصيل في بنيان نظام الدولة اللبنانية، مع العلم بأن اتفاق الطائف جعل مجلس الوزراء، إلى جانب رئاسة الجمهورية، الركيزة المحورية ومركز السلطة التنفيذية. فلا قيمة للتكليف ما لم يستتبعه التأليف. ونستغرب أن يكون المعنيون بتأليف الحكومة يسخفون هذا الأمر، خلافا للدستور واتفاق الطائف. إن تشكيل حكومة جديدة، علامة ناطقة لاحترام النظام الديمقراطي والتوقف عن الانقلاب المستمر عليه، وضمان اكتمال عقد المؤسسات الدستورية وسير الحوكمة والفصل بين السلطات، واستمرار الشرعية من خلال حكومة كاملة الصلاحيات في حال تعثر، لا سمح الله، انتخاب رئيس جديد للجمهورية. إن وجود حكومة شرعية يولي الدولة القدرة على مفاوضة المجتمعين العربي والدولي وعلى اتخاذ القرارات وتوقيع المعاهدات. وما نخشاه هو أن القوى السياسية إذا عجزت اليوم عن تشكيل حكومة، تعجز بالتالي غدا عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية. ويكون السقوط العظيم. لكننا نأمل ونصلي ألا يكون ذلك”.

وقال: “وتأتي حادثة التعرض لسيادة المطران موسى الحاج لتشكل امتحانا لمدى قدرة المسؤول عن هذه الحادثة على وضع حد للتطاول على الكنيسة المارونية، بل لمبدأ الفصل بين الدين والدولة. كان البعض يشكو من تدخل الطوائف بالدولة، فإذا بالدولة تعتدي على طائفة تأسيسية وعلى رجل دين اشتهر بالتقوى وخدمة الشعب الذي كان يجدر بالدولة أن تؤمن له الاحترام في تنقله بين لبنان وأبرشيته. افتعلوا حادثا، حولوه حدثا، جعلوه قضية، ونظموا حملات إعلامية لتشويه صورة الأسقف ورسالة الكنيسة الإنسانية والوطنية. نؤكد من جديد أن “العمالة” مع دولة عدوة لم تكن يوما من ثقافتنا وروحايتنا وكرامتنا. نحن أول من يحترم القوانين، ويدافع عنها، فنرجو من السلطة احترامها والتقيد بها. نحن أول من يحترم القضاء وندافع عنه، لكننا نرجو من القضاة والمسؤولين القضائيين احترام قدسية القضاء وتحريره من الكيدية والارتهان لقوى سياسية ومذهبية”.

أضاف: “في ضوء هذا الأمر، نطالب المسؤولين عن حادثة المطران موسى الحاج واحتجاز ما احتجزوه عن غير وجه حق، بما يلي:
1. أن يعيدوا إليه جواز سفره اللبناني وهاتفه.
2. أن يسلموه الأمانات من مال وأدوية كان يحملها إسميا لأشخاص ولمؤسسات، لأنها أمانة في عنقه.
3. أن يؤمن له العبور من الناقورة، ككل الذين سبقوه، إلى أبرشيته ذهابا وإيابا من دون توقيف أو تفتيش.
4. أن يكفوا عن تسمية المواطنين اللبنانيين المتواجدين في فلسطين المحتلة “بعملاء”.

وختم: “إذا لم يفعل المسؤول بموجب هذه المطالب، فإنهم يتسببون بشر كبير تجاه أبرشيتنا في الأراضي المقدسة، إذ يمنعون أسقفها من الذهاب إليها، ويجعلونها كأنها شاغرة وهذا أمر خطير يحاسبون عليه. نسأل الله ألا يحصل ذلك. فله وحده كل مجد وتسبيح وشكر”.


Related Posts


 

Post Author: SafirAlChamal