اوروبا اليوم ليست كأوروبا قبل الحرب الروسية الاوكرانية، لقد سقطت السقطة الكبرى، سقطت على المستوى الاخلاقي وعلى المستوى الاستراتيجي. إن إنخراط اوروبا او بعض اوروبا بهذه الحرب الموجعة حتى العظم وبالشكل الذي نراه انما هو دليل على التصحر الفكري لدى مجموعة بهلوانية من القييمين عليها.
في الشق الاخلاق، لقد تمظهرت كذبة التحضر من خلال لفظ غير الاوروبي والتصرف تجاهه بنظرية فظة، لطالما تشدقت اوروبا ومن خلفها وامامها امريكا بخلاف ما نقلته شاشات التلفزة على السنة سياسييها ومراسليها، فقد عكس هؤلاء، وبعفوية وببلاهة، الكم الهائل من التحجر الفكري والاستكباري القائم على التمييز العنصري، انها نهاية الحكاية يا سادة، اوروبا تحتاج الى منقذ فطن يعيد رسم المسار الاخلاقي لهذه القارة الباردة.
اما الطامة الكبرى فهي في الانغماس البهلواني الغبي في تظهير العداء الى الشركاء في الجغرافيا والاجتماع. إن الهرع الى ضخ الاسلحة الفتاكة والمعدات الحربية بالشكل الذي نراه لهو تعبير صارخ عن مدى الانخراط في مشروع خنق الشرق. ان هكذا اندفاعة وان كانت حادة من طرف “الانغلوسكسونية” اكثر منها من الاطراف الاخرين انما يدل على منهج فكري مادي يكره وجود آخر قوي حتى مع وجود مشتركات مع هذا الآخر. إن انغماس هذه الاوروبا منذ القدم وبدفع ووسوسة من امريكا في ازمات الشعوب على مساحة المعمورة يدل على هذا المنهج الاستكباري الابتزازي.
المشكلة الكبيرة هي المادية المطلقة في ادارة العلاقات الدولية. مثلا يرتكب، لقاء المصلحة التي يرسمونها، المجازر ويهدم الصوامع والبيوت ويقتل الانفس تحت مسمى اضرار جانبية، لقد نزعت الرحمة من قلوبهم والشواهد ليست ببعيدة، هذه الاوروبا تدعم وتشارك ومعها امريكا في قتل الحر اليمني كل يوم وكل لحظة. وقبل ذلك قتلت سوريا والعراق … والجزائر و… و… وهكذا.
نعم اوروبا سقطت ويا للاسف، فبدل البناء والازدهار، وتعمير الديار والنفوس، ذهبتم الى بناء جدران الحقد، بل استنهضتموه من اعماق اعماقكم الرافض للاخر. انظروا كيف اوروبا تتألم من تبعات ما جنته افعالكم، بالمقابل اميركا تراقب من على التل… انها قمة الغباء، لقد استجلبتم العتمة الى النفوس. اوروبا دخلت ببلاهة النفق المظلم .
وللشعب الاوكراني اقول، بلادكم جميلة ومنتجة، كان لديكم كل اسباب الرفاهية، نعم اقولها لكم، للجغرافية والتاريخ حكاية… ربما من المفيد قراءتها واعادة قراءتها. لقد غرر بكم الغرور… ان ادارة الظهر للجار واو استعدائه رغم المشتركات (تاريخ جرافيا اجتماع…) لا ينم عن ادارة حكيمة وذكية. بلادكم تضررت، ناسكم تأذت… عليكم بايجاد القواسم المشتركة مع الجار، لان التلاقي ينعش الامل.
الكاتب: محمد دبوق ـ أكاديمي ـ الجامعة اللبنانية..
المصدر: سفير الشمال
Related Posts
