إفطار الرؤساء …؟!… شفيق ملك

يوم الجمعة السابع من شهر رمضان المبارك، تصدّر الأخبار حدث لافت ومفاجئ سمعه غالبية الشعب اللبناني ، وقلّة قليلة شاهدته عن كثب وإهتمام شديدين لأهميته و نتائجه المرتقبة سياسياً وفي صناديق الإقتراع يوم 15 أيار 2022.

جرت العادة أن يقام لهذا الشهر الفضيل إفطارات كثيرة من كل لون وطرف، هو شهر الخيرات العامر باللقاءات والتواصل بغض النظر عن أسبابه ونتائجه، ومن دون تحليل أو أسئلة ، وهذا حال الإفطار الرمضاني ، إنّما إفطارنا هذا ليس كالإفطارات الأخرى فقد كان حدثاً مميزاً بكل المعايير ، شدّت إليه الأنظار ، شغل السياسيون والمراقبون على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.

إنّه لقاء خصمين سياسيين لدودين في ظل خط واحد على مائدة الإفطار الممّيزة حيث دام خصامهما لعدة سنوات عجاف مضت.

تصافحا وتبادلا الأحاديث كل الأحاديث إلاّ موضوع الخصام دون تردد، أفطرا وحتى موعد لقاء آخر ينظّم لهما وفي مناسبة نجد فيها مزيداً من الإنفراج والبسمة المصطنعة.

هذا الخصام لم يكن في يوم من الأيام مجرّد جفاء أو عتاب ولم يكن أيضاً يحمل مواقف تعكس نقداً مألوفاً حسب اللعبة السياسية التي نعرفها كما هو متبع في كل من البلدان المتحضرة .

كان أشبه بحلبةٍ مسعورة، تذكرني بأيام المدرسة حينما كنا نشاهد الأفلام الأميركية المختارة وتنقل لنا على شاشتها، حلبات المصارعة (THE GLADIATORS ) تضيئها ساحات روما القديمة المدججة بالسلاح والدماء في كل مكان.

حفلت بالإتهامات والإتهامات المضادة، وكل طرف يخوّن الطرف الآخر في شتى المسائل السياسية المطروحة في كل وقت وفي كل زمان، عند كل منعطف ومع كل حدث سياسي حتى تناولت الأيام الغابرة.

شاهدنا من خلال هذه السجالات السياسية تاريخ لبنان القديم بحلوه ومره من أيام الأمير فخر الدين والأمير بشير مروراً بزمن المتصرفية مرة أخرى.

عرّجا دون شفقة على الشعب اللبناني في ذكرى الحرب اللبنانية المقيتة التي دامت 15 سنة ومضت إن شاء الله دون رجعة، ثم تركز سجالهما بل قتالهما على الحقبة ما بين 1998 حتى يومنا هذا، شاملة ما حدث في ثورة 17 تشرين الأول .

الإنتفاضة الشعبية البريئة أو ما يمكن أن يطلق عليها ثورة ، بالرغم من أنّها لا تملك كل عناصرها الأساسية، كذلك إنفجار المرفأ في بيروت وصداه في كل مكان محلياً إقليمياً ودولياً.

يوم 4 آب 2020 وآلامه التي يستحيل أن تنسى والذي سميّ بالقنبلة النووية رقم (3) في عصرنا الحديث.

وحتى تاريخه لم نصل إلى حقيقة هذا الإنفجار وأسبابه ومن وراءه.

إن موجز الإتهامات بين الفريقين في محاولة لتنسيق الجهود خدمة لمصالح الفريقين الإنتخابية وأن كل طرف ينادي بأحقّية وشرعية تملك كرسي الجمهورية المستقبلي والمرتقب بعد أشهر ، من دون لملمة الجراح . وبعيداً عن تطلعات غالبية أبناء الشعب اللبناني المرتهن.

آه، وألف آه …

لو كان المشرّع اللبناني في عام (1926-1943 م) خطر على باله ما يجري في لبنان بأن يشرّع بدل إنتخاب رئيس واحد للجمهورية اللبنانية، إنتخاب رئيسين في وقت واحد يعطي الأحقية والشرعية للأول بحكم فترة 4 سنوات والثاني لفترة مماثلة عند كل إستحقاق رئاسي في لبنان. (إقتراح عجيب في بلد العجائب).ربّما جنبنا زمن المتاهات الذي نراوح فيه.

جرى الإفطار بهدوء وسلام وإلتقى الرؤساء المرشحين للرئاسة في جو مدروس من كافة جوانبه، جلّ ما تسرب منه هو لتوحيد الصفوف ودعم الرئيس المتأخر في مواقع الإنتخابات لصب الأصوات له من كل حدب وصوب عند تاريخ الاستحقاق وكأننا في مواكب الجيوش المنتصرة حين تدخل المدن المنهزمة وينثر عليها كل أنواع الرز والأزهار والورود.

أتسائل هنا حتى يحين موعد الإفطار الثاني في هذا الشهر الفضيل ، حيث تتم المصالحة رقم (2) الشاملة للأقطاب جميعها من فئة الواحدة (VIP LOUNGE) في خضم ما يشاهده الشعب اللبناني وأقله ما يريد أن يرسي على قاعدة ثابتة دون إهتزاز أو هبوط في محيط جهنم.

كفى تلاعباً أيها الساسة في لبنان ، إنّ لبنان أصبح (LAND MARK) لبلد التسوّل والإعانات، ومن خلال المجتمع المدني وليس من خلال الدولة.

بينما كان أفراد هذا الشعب الأبيّ يجول في جميع قارات العالم يساعد ويطّور في بناء نهضتها الإقتصادية والعلمية وفي كل المجالات وبنجاح وشكر وتقدير من الدول المعنية.

ليسمع ساسة لبنان أن الشعب اللبناني يفتقر الآن إلى كل عناصر الحياة الطبيعية، مثال الماء، الكهرباء، الدواء، الغذاء، التعليم على كافة مستوياته، جمّد وسلب ماله، ولم يسلم من التلوث الجوي والشوارع تملؤها الزبالة في كل مكان، ويؤلمني وأنا في طريقي عند كل مساء بعد الإفطار أن أرى عند ناصية كل شارع (Garbage Container) حاوية القمامة ، مواطنون يفتشون عن مصدر رزق فيها. أين منّا لبنان المزدهر فترة 1943-1975 ؟

يذكرني كل هذا  بأحد الكتاب الذي وصف السياسيين الفاسدين في العالم بالفوضى العارمة في الغابة، إذا تشاجروا أفسدوا الزرع وإذا تصالحوا أكلوا المحصول.

ألم يكتف ساسة لبنان ويخرجوا من هذا الصراع الذي لا قواعد له ولا أصول سوى المصالح الشخصية ، أمام هذا المشهد السياسي أرى أنّه من الضروري والملّح مشاركة أكبرعدد ممكن من اللبنانيين في الإستحقاق النيابي القادم لإحداث التغيير المنشود ، المشاركة الكثيفة تغيير حقيقي.

إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء … عاش لبنان … سيداً مستقلاً … وحمى الله شعبه الأبيّ الكريم … وحسبي الله ونعم الوكيل .

الكاتب: المهندس شفيق ملك

المصدر: سفير الشمال


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal