بات واضحاً أن اللبناني قادر على التأقلم مع المتغيرات التي تدور حوله مهما عَظُم شأنها واشتدت سلبياتها حتى بات، وفق العديد من الخبراء والمتابعين الدوليين، أنه حالة إنسانية فريدة من نوعها في إمتصاص الصدمات وتحويلها من سلبيات إلى وقائع يطوعها وفق ما تمليه عليه الظروف.
إنتفض اللبناني في السابع عشر من تشرين الأول عام 2019 بسبب زيادة ست سنتات أميركية على الإتصالات الخليوية، ومن منطلق أنه يقوم بثورة على النظام “وفق متطلبات الربيع العربي” و “الفوضى الخلّاقة” اللذين وضعت أسسهما وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس. وعندما نجحت الأحزاب والتيارات السياسية في لبنان في تطويقه عاد وإلتفّ على نفسه. وهو يعود اليوم لإنتخاب مرشحيهما ربما مع حبة مسك خضراء والأرجح بدونها ولكن بسبب تجذره الطائفي والمذهبي!
وعندما كان الدولار الأميركي يساوي ألف وخمسمئة ليرة لبنانية كان يقيم الدنيا ولا يقعدها إذا تحدث أحد عن إمكانية ارتفاع سعره بضعة الآف ليصبح واقعياً وملائماً لقدرات الإقتصاد اللبناني، وها هو وصل إلى حدود الخمسة وثلاثين ألفاً، ومن ثم إنكفأ إلى العشرينات وهو يسارع إلى الاستفادة منه صعوداً وهبوطاً بدون أن ينبس ببنت شفة!
وعندما كانت اسعار صفيحة المحروقات بالعشرينات من آلاف الليرات كان يهدد بالويل والثبور وعظائم ألأمور إذا تردد أنها قد تتعدى الثلاثينات لأنه لا يستطيع تحمل ذلك. وها هي اليوم بالأربعمئة ألف ليرة ونيّف للبنزين وخمسمئة ألف ونصف للمازوت، وهو يقف بالصف الطويل لشرائها صاغراً ويشارك في زحمة السير على طريق العاصمة بيروت وكأنه في موكب عرس!
والأمر ينطبق على دخوله إلى المستشفيات التي تحولت إلى فنادق خمس نجوم للأثرياء فقط، وكذلك المنتجعات الساحلية والجبلية، وما زال يقيم الحفلات الفاخرة ومناسبات القربانة الأولى والطهور وما إلى ذلك وكأن شيئاً لم يكن، الأمر الذي دفع بالسفارات التي تموّل جمعيات المجتمع المدني إلى التساؤل عن نوعية هذا اللبناني الذي يجب استنساخه لاستخدامه في حقول تجارب ميدانية لدى العواصم المدمنة على إحداث الثورات. أو العمل على تبديل جيناته بالسرعة اللازمة حتى لا يتحول إلى وباء ينتقل إلى شعوب أخرى، ويعمل على إفشال المخططات التي توضع من قبل أصحاب القرار، قبل أن يتحول إلى حالة مستعصية لا يمكن الشفاء منها لكنها مؤذية وتهدد البشرية بطول العمر!
Related Posts