عندما أعلن الرئيس نجيب ميقاتي عزوفه عن الترشح للانتخابات النيابية المقررة في 15 أيار المقبل، كان يهدف الى تعزيز الشفافية في هذا الاستحقاق، من خلال وقوف رئيس الحكومة على مسافة واحدة من الجميع، وعدم دخوله في منافسة مع أي كان، بما يمكنه من الاشراف الكامل على إدارة العملية الانتخابية وتأمين نزاهتها وديمقراطيتها المطلوبتين من المجتمع الدولي كشرط لاستعادة الثقة بلبنان.
ليس خافيا على أحد، أن كثيرا من التيارات السياسية تسعى عشية الانتخابات النيابية الى الاستفادة من وجود ممثلين لها على طاولة مجلس الوزراء لطرح بعض المشاريع التي تساهم في إستمالة شارعها وتعزيز حضورها الشعبي ومعالجة الثغرات التي قد تنتج عن بعض التراجع بفعل الأزمات القائمة.
ويبدو واضحا أن ما إرتضاه رئيس الحكومة لنفسه من عزوف عن الترشح للانتخابات لتحقيق شفافيتها، سوف يحرص على تعميمه باتجاه كل التيارات السياسية التي عليها أن تفتش عن طرق وأساليب جديدة لاستمالة شارعها، وعدم إستخدام موارد الدولة أو نفوذها داخل الحكومة لتحقيق ذلك، خصوصا أن المرحلة الماضية لا سيما خلال شهر العسل بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر قد شهدت الكثير من هذه الممارسات والاستخدامات الانتخابية لا سيما لجهة إدخال آلاف الموظفين الى مؤسسات ودوائر الدولة على حساب الخزينة اللبنانية التي ما لبثت أن إنهارت.
لذلك، لا يتوانى الرئيس ميقاتي عن رفع متاريسه في وجه مشاريع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي يسعى في ظل غياب تيار المستقبل عن الساحة السياسية الى تحقيق إنتصارات من خلالها لاستخدامها في الحملات الانتخابية البرتقالية كما جرت العادة، إلا أن الرياح الميقاتية جرت بعكس ما إشتهت السفن الباسيلية، فسقط إقتراح الميغاسنتر الذي تم طرحه بشكل شعبوي مع علم الجميع بأن إعتماده سيكون من سابع المستحيلات كونه يحتاج الى آليات وتجهيزات وتكنولوجيا وتمويل وغير ذلك كثير، وكلها غير متوفرة، فسارعت الحكومة الى طي صفحته.
وكذلك الأمر في خطة الكهرباء التي فرضت الحكومة تضمينها تشكيل الهيئة الناظمة فورا، وأسقطت منها عنوان معركة باسيل المتعلقة بمعمل سلعاتا، حيث أشارت الى إمكانية إنشاء معمل على الساحل الشمالي عند الضرورة، وأيضا في سد بسري الذي سارع البرتقاليون الى إستغلاله إنتخابيا بالاعلان عن إقراره قبل أن يتبين أن رئيس الحكومة إستمع الى تقارير وزارية تؤكد أن بيروت ستشهد أزمة مياه كبرى خلال سنتين، فطلب التفتيش عن بدائل، وتم تكليف وزير الطاقة بإعادة دراسة إمكانية إحياء سد بسري، فيما أكد وزير البيئة أن ثمة بدائل أخرى عن سد بسري سيقوم بتقديمها فور إنتهاء دراساتها، وقد وافق مجلس الوزراء على ذلك كونه يدرك بأن قرض البنك الدولي المتعلق بسد بسري قد توقف في حزيران العام 2020، ولا يوجد أموال في الخزينة المفلسة لهذا المشروع.
وبدا واضحا حرص التيار البرتقالي على طرح التشكيلات الدبلوماسية على جناح السرعة وبشكل متدرج طائفيا وذلك لزوم الحملة الانتخابية، إلا أن الرئيس ميقاتي أصر على أن تكون التشكيلات كاملة وضمن معايير محددة للسير بها وإقرارها، رافضا أي إستغلال مهما كان نوعه لهذا الأمر من أي جهة كانت.
يقول مطلعون: ثمة لمسات واضحة تُسجل لرئيس الحكومة لمنع الاستغلال الانتخابي، ولعدم تحويل مؤسسات ودوائر وخزينة الدولة الى مرتع للتيارات السياسية والحزبية للاستفادة منها في حملاتهم الانتخابية، ما من شأنه أن يحرج هذه التيارات، لكنه يعطي مصداقية حكومية في التوجه نحو إجراء إنتخابات تتمتع بالنزاهة والشفافية.
Related Posts