لا يمكن رسم أية ملامح للمشهد الانتخابي في طرابلس قبل أن يحسم الرئيس نجيب ميقاتي قراره سواء ترشيحا على رأس لائحة، أو دعما للائحة أو دعما لمرشحين محددين، أو غير ذلك، كونه يشكل الثقل السياسي والانتخابي والشعبي الذي لا يمكن لأي تيار أو حزب أو مرشح تجاوزه أو إتخاذ أي قرار قبل معرفة توجهاته التي من المفترض أن تُحسم خلال الأيام القليلة الفاصلة عن إنتهاء مهلة الترشيح، أي عند الثانية عشرة من منتصف ليل الثلاثاء ـ الأربعاء المقبل.
لا يخفى على أحد أن الرئيس ميقاتي الذي يقود العمل الحكومي ويتابع تفاصيل التفاوض مع صندوق النقد الدولي وسائر الملفات الحساسة إجتماعيا وإقتصاديا وماليا وإنسانيا، غير متحمس لخوض هذه الانتخابات، لايمانه المطلق بأن الشفافية تقتضي بعدم ترشحه وهو على رأس الحكومة، تماما كما حصل في العام 2005 عندما تفرّغ لقيادة العملية الانتخابية التي نقلت لبنان من ضفة التوتر الى ضفة الاستقرار والانتظام السياسي وحاز حينها على تنويه دول العالم التي أشادت بديمقراطية ونزاهة تلك الانتخابات.
في حين ترى مصادر متابعة أن رئاسة الحكومة لا تشكل أي عائق لترشح ميقاتي خصوصا أن مدينته طرابلس تحتاج أكثر من أي وقت مضى الى حضوره وفاعليته، وهو الذي يؤكد في كل مناسبة عدم تخليه عنها والبقاء الى جانب أهلها في كل الظروف من خلال مؤسسات العزم الفاعلة على كل الصعد.
كما لا يخفى على أحد، أن ميقاتي يتعرض لضغوط وتمنيات إقليمية ودولية ليكون الأساس في هذا الاستحقاق، خصوصا أن وجوده اليوم أكثر من ضروري على الساحتين السنية والوطنية، لكونه الشخصية السنية الأكثر قبولا على المستوى الشعبي وعلى مستوى مكونات المشهد اللبناني، والتي تشكل صمام الأمان وسط حالة من التوتر السياسي والطائفي الذي قد ينسحب الى ما بعد الانتخابات التي لا أحد يستطيع التكهن بنتائجها في ظل العناصر المجهولة التي قد تتحكم بها بفعل إعتكاف الرئيس سعد الحريري مع تيار المستقبل وتبدل المزاج العام لدى جمهور كل التيارات والأحزاب.
لذلك فإن ترشيح ميقاتي وإستمرار وجوده في مجلس النواب بالنسبة للدول الاقليمية والدولية المؤثرة وكذلك بالنسبة للتيارات السياسية في لبنان، يشكل عامل إطمئنان ومحط ثقة، كونه صاحب تجربة سياسية ناجحة تعتمد على الوسطية والرصانة وتدوير الزوايا وعدم الارتجال والابتعاد عن الصدامات بما يحول دون الوصول الى صراعات قاسية قد تنعكس فوضى في الشارع، وبالتالي فإن كل المكونات اللبنانية تعتبر ميقاتي شريكا إيجابيا ومريحا يمكن التعاون والتفاهم معه، وهذا ما يجعل ترشيحه للانتخابات مطلبا على المستويين الداخلي والخارجي، وتحديدا على صعيد طرابلس التي تتطلع الى تمثيل سياسي وازن يتناسب مع حجم حضورها وتأثيرها.
لم يحسم الرئيس ميقاتي قراره النهائي بشأن الانتخابات النيابية، بل ما زال يدرس خياراته بكثير من الهدوء والتأني بهدف تقدير الموقف وإستشراف المرحلة المقبلة، في وقت ما تزال فيه الحركة الانتخابية في المدينة خجولة جدا بإنتظار موقف ميقاتي الذي من المفترض أن يُبنى عليه، فإما أن يشكل ترشيحه حيوية إنتخابية تعطي ثقلا سياسيا وازنا لهذا الاستحقاق وترفع من نسبة المشاركة فيه، أو أن يؤدي عزوفه الى مزيد من الاحباط ومن إنخفاض نسب الاقتراع، لتتحول الانتخابات الى من يهمه الأمر.
Related Posts