لم يعد ملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يحتمل المزيد من تصفية الحسابات السياسية وعرض العضلات القضائية والتباينات الأمنية التي بدأت مجتمعة تسيء الى كيان الدولة اللبنانية وحضورها، وتمعن في ضرب مؤسساتها وتضع هيبتها على المحك.
لم يكن سلامة ليمارس عمله اليوم لو لم يوقع رئيس الجمهورية ميشال عون على قرار التجديد له في حكومة الوحدة الوطنية برئاسة سعد الحريري، ما يعني آنذاك اعجابا بآدائه معطوفا على مصالح ناتجة عن التسوية الرئاسية التي سارت البلاد في كنفها منذ العام 2016 حتى إنفجار ثورة 17 تشرين الأول 2019، ولذلك فإن المسؤولية تقع على عاتق من جدد له لجهة تحمل تبعات هذا القرار ، لا أن تُكلف الغرف ويوعز الى المستشارين ببذل كل الجهود الممكنة للاطاحة به.
بات واضحا، أن رئيس الجمهورية يريد تقديم رأس رياض سلامة قربانا لشارع التيار الوطني الحر عشية الانتخابات النيابية، بهدف شد العصب لمصلحة جبران باسيل، وللتأكيد بأن رغبة باسيل باقالة الحاكم قد تحققت، بما يؤكد كل التهم التي ساقها حوله والتي حرك من خلالها الشارع البرتقالي تحت شعار “إستعادة الأموال المنهوبة”.
في غضون ذلك، تعمل القاضية غادة عون على تتنفيذ توجهات الرئيس عون حيث باشرت بمحاصرة سلامة وشد الخناق عليه، وصولا الى إصدار مذكرة إحضار بحقه أمس كادت أن تؤدي الى تداخل في الصلاحيات بين القوى الأمنية.
تستغرب مصادر حقوقية مواكبة، إستمرار القاضية غادة عون بملاحقة رياض سلامة، بالرغم من عدم إختصاصها وصلاحياتها، خصوصا أن النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات وبحكم التوجيه والاشراف الذي يمارسه على النيابات العامة الاستئنافية في لبنان، قام بتكليف محام عام في جبل لبنان بالقضايا المالية، وذلك بعد اللغط الذي أثارته عون وبلغ ذروته خلال إقتحامها شركة مكتف للصيرفة وغيرها من التصرفات والاجراءات التي ترى المصادر انها تبتعد عن الأصول الواجب إتباعها والمناطة بالنيابة العامة التي يجب أن تمثل المجتمع برمته، لا ان تحصر نفسها وقراراتها بمصالح ورغبات فريق سياسي.
وتلفت هذه المصادر الى أن ما تقوم به القاضية عون اليوم هو مجرد إستعراض مسرحي يهدف الى إرضاء رئيس الجمهورية وتياره ويدخل ضمن خطة
تهدف الى النيل من رياض سلامة على المستوى الشخصي قبل المستوى الاداري.
ويرى متابعون أن سلامة يشكل اليوم إنتظاما لعمل حاكمية مصرف لبنان وأن غيابه سيؤدي الى عرقلة التفاوض مع صندوق النقد الدولي، في حين ما يزال يحظى بمظلة دولية واضحة، وبغطاء سياسي داخلي، ما يحول دون تحقيق رغبة الرئيس عون بازاحته من منصبه أو وضعه في السجن كما قال في أكثر من جلسة خاصة.
ويؤكد هؤلاء أن ما يتعرض له رياض سلامة لا يسيء إليه فقط، بل يسيء الى الدولة اللبنانية برمتها، خصوصا أن إزاحته اليوم في ظل عدم التوافق على تعيين حاكم بديل قد يفضي الى تعيين حارس قضائي على مصرف لبنان، فهل من المنطق في أن يصار الى تكليف الحارس القضائي بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي؟، وفي حال جرى تعيين حاكم جديد هل سيتمكن من إدارة الشؤون المعقدة لحاكمية مصرف لبنان في ظل الضغوط الهائلة التي تواجهها وعلى اكثر من صعيد، أم أنه سينفض يده من أي مسؤولية بحجة “التركة الثقيلة” التي ورثها من رياض سلامة؟.
ويخلص المتابعون الى القول: لا يخفى على أحد أن لا توافق سياسيا على إقالة رياض سلامة أو على ملاحقته، لذلك، على المعنيين أن يتوافقوا على أمرين لا ثالث لهما، فإما ان يقيلوه ويلاحقوه بشكل كيدي كما يحصل اليوم، أو أن يتركوه يعمل ويبعدوا عنه التشويش وكل الأصوات والتصرفات النشاز التي تحول دون قيامه بواجباته.
Related Posts