في الوقت الذي يأخذ فيه رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي كل أزمات البلد بصدره، بعدما أوصلت الحكومات المتعاقبة لبنان الى الدرك الأسفل من جهنم، ويتعرض لأسوأ أنواع الهجوم السياسي والانتخابي والانتقامي كونه صارح اللبنانيين بواقع الحال المؤلم عقب إقرار الموازنة التي يسعى من خلالها الى وضع خطط لحلول مستدامة والانتهاء من عمليات “الترقيع” المتبعة منذ عقود والتي “لا تُسمن ولا تُغني من إنقاذ”.. دخل مجلس الوزراء في دوامة جديدة عنوانها “الاعتراض” على التعيينات العسكرية التي أقرت في جلسة أمس الأول بإقتراح من رئيس الجمهورية ميشال عون.
لا شك في أن الموضوع أعطيَ أكبر من حجمه، فلا هو يستدعي الى أن “يُطيّر عقل الرئيس نبيه بري” كما نقل زواره، ولا الى “الزوبعة” التي أثارها الوزراء المعترضين، خصوصا أن ليس في الأمر أي مخالفة دستورية، حيث يحق لرئيس الجمهورية الذي في حال حضر مجلس الوزراء يترأس الجلسة، في أن يطرح أي بند من خارج جدول الأعمال، وهذا ما حصل في جلسة أمس الأول، حيث وجد الرئيس عون أن الضرورة تحتم إستكمال تعيينات المجلس العسكري لما يشكل ذلك من دعم للجيش اللبناني الذي تقع على عاتقه كل مهمات حماية أمن وإستقرار البلد، وقد وافقه رئيس الحكومة من دون أن يكون في الأمر أي إتفاق مسبق بينهما، بل يمكن القول إن الرجلين مارسا صلاحياتهما الدستورية.
ليست المرة الأولى التي يُطرح فيها بنود من خارج جدول أعمال مجلس الوزراء، بل لطالما حصل ذلك وفي حكومات عدة وفي جلسات كثيرة، وليس بالضرورة أن كل قرار يتخذ يجب أن يحظى بموافقة ورضى كل الوزراء أو أن يكون متوافق عليه معهم، حيث تقضي الديمقراطية المتبعة أن البعض يوافق والبعض الآخر يرفض وآخرون يلجأون الى التحفظ، لكن، ما هي جدوى رفض إستكمال تعيينات المجلس العسكري أو التحفظ عليه في الوقت الذي يتطلع فيه كل اللبنانيين بدون إستثناء الى ضرورة دعم الجيش وتحصين وضعه الداخلي؟، وهل التوقيع الثالث المتمثل بوزير المالية هو لتأمين الميثاقية أو للتعطيل أو للهيمنة على قرارات مجلس الوزراء؟، وهل تسمح الظروف الاقتصادية والمالية والاجتماعية الضاغطة والهجوم العنيف الذي يُشن بشكل ممنهج على كل أركان السلطة أن يصار الى توتير جلسات الحكومة من أجل تعيين دستوري طرحه رئيس الجمهورية، في وقت سئم فيه المواطنون من كل التعيينات والمحاصصات الطائفية والمذهبية أمام صعوبة تأمين أبسط مقومات عيشهم؟، وإذا لم يتم تعيين نائب مدير عام أمن الدولة، أليس بالامكان تعيينه في جلسة الثلاثاء المقبل وبالتالي التوفير على الحكومة واللبنانيين مزيدا من التوتر السياسي؟، ولماذا هذا الاستفزاز المقصود ومحاولات الاستقواء في تغريدات الوزير محمد مرتضى؟، وهل هكذا تكون الورشة الوطنية للانقاذ؟ وهل هكذا تساق الابل؟..
يمكن القول، إن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي المشهود له بتدوير الزوايا، مشهود له أيضا بصلابة الموقف خصوصا في ما يتعلق بصلاحيات رئيس الحكومة وهيبة وحضور موقع الرئاسة الثالثة، وإذا كان لم يتهاون يوما في حماية إتفاق الطائف والحفاظ على الصلاحيات من خارج السراي، فهو لن يسمح لأي كان المسّ بها وهو داخل السراي، ولعل البيان التوضيحي لمكتبه الاعلامي مساء أمس كان كفيلا بوضع النقاط على الحروف وبإعادة امور الى نصابها!..
Related Posts