حرب على الموازنة.. لزوم الحملات الانتخابية!!… غسان ريفي

في الوقت الذي تسعى فيه حكومة “معا للانقاذ” الى البحث عن مخارج للأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية من خلال حلول جذرية تُطرح للمرة الاولى بعد سنوات طويلة من عمليات “الترقيع” التي اوصلت البلاد الى الانهيار الشامل، ما فرض على الحكومة موازنة ببنود قاسية وغير شعبية لكنها يمكن ان تؤسس الى نهوض مستقبلي، تدأب بعض التيارات السياسية على التفتيش عن كيفية تحقيق مصالح انتخابية على “ظهر” الحكومة والموازنة بهدف استمالة شارع من هنا واستعادة شعبية مفقودة من هناك.

لم تكد الحكومة تعلن اقرار الموازنة العامة في جلستها امس، حتى سارع كثير من قناصي الفرص وانصارهم الى استغلال مآسي واوجاع ومعاناة اللبنانيين للاستفادة منها في حملات انتخابية، سواء بالهجوم على الحكومة او بالسخرية من الموازنة، او بالتنصل من مسؤولياتهم في ايصال البلاد الى هذا الدرك من الانهيار، ويبدو ان الحبل على الجرار حيث من المنتظر ان يشهد مجلس النواب خلال مناقشتها تنافسا في سباق الحصول على حفنة اضافية من اصوات الناخبين.

لا يختلف اثنان على ان الموازنة تتضمن بنودا لا ترضي احدا، وهي من شأنها ان تضاعف من أعباء المواطنين لاسيما على صعيد تأمين بعض حاجاتهم اليومية الاساسية، بما يرفع من منسوب الصعوبات التي بدأت تتصاعد منذ نحو سنتين لترخي بظلالها القاتمة عليهم.

لكن في النهاية هي “موازنة الضرورة” التي قد تستطيع الحكومة من خلالها انقاذ ما يمكن انقاذه من اقتصاد ومالية لبنان الذي يواجه بفعل السياسات الخاطئة المتراكمة منذ سنوات افلاسا حقيقيا قد يطيح لاحقا في حال عدم التصدي له بقرارات جدية وربما موجعة بكل مقومات الحياة.

ليست الحكومة مسؤولة عن الانهيار الشامل الذي تسببت به سياسات المنظومة التي حكمت البلاد على مدار عقود، بل هي تبذل جهودا مضنية للتخفيف من تداعياته الكارثية على اللبنانيين ومنع الارتطام الكبير وما قد ينتج عنه من فوضى مرعبة، وذلك من خلال التفتيش عن مصادر تمويل لخزينة خاوية، ومحاولة تغطية العجز الناتج عن فوارق اسعار الخدمات في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار، مع تأمين مساعدات مالية لكل الموظفين بدءا من نصف راتب في كل شهر وصولا الى راتب كامل بعد اقرار الموازنة.

لكن اللافت، هو ان كثيرا من اركان المنظومة الحاكمة وجدوا الفرصة سانحة عشية الانتخابات لنفض ايديهم من اي مسؤولية وتحميلها بمجملها الى الحكومة التي باشرت مهامها بعد منتصف ايلول الفائت وتعطلت لنحو مئة يوم، ثم استأنفت عملها بشكل مكثف لتعويض ما فاتها واقرار الموازنة التي تشكل مدخلا وحيدا للتفاوض مع صندوق النقد الدولي، وذلك تحت وابل من سهام الافتراءات والاتهامات التي بلغت يوم امس ذروتها لتحقيق بعض المكاسب. 

لا يمكن لأي كان من اركان السلطة السياسية او ممن نقلوا البندقية من كتف الحكم الى كتف الثورة والمجتمع المدني وامعنوا في رفع الشعارات الفارغة ان يتبرأوا من جريمة ايصال لبنان الى جهنم، حيث كان الكل يجتمع في الحكومات التي امعنت في الهدر والفساد والسمسرات والكل كان مشاركا ومتدخلا وشاهدا على اقتياد اللبنانيين نحو الذبح الاقتصادي والمالي والاجتماعي، ولعل ما تقوم به الحكومة اليوم، هو محاولة أخيرة للانقاذ، وما الكلام الذي ادلى به الرئيس نجيب ميقاتي من قصر بعبدا امس، سوى مصارحة صادقة من رجل دولة مسؤول حول واقع الحال المؤلم، لم يجرؤ اي من المسؤولين المعنيين على مواجهة اللبنانيين به.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal