عندما خاضت القوات اللبنانية مغامرة الطيونة، وسارع رئيسها سمير جعجع الى تقديم عرض عضلات دفاعا عن الاحياء المسيحية في عين الرمانة، وصولا الى تسميته ما حصل ب “ميني 7 أيار مسيحي”، كان يُمني النفس بأن يتمكن من استغلال الجو الطائفي الذي رافق تلك الاحداث الأليمة وتنصيب نفسه المدافع الاول عن المسيحيين تمهيدا لقيادة المحور المناوئ لحزب الله وقوى 8 آذار.
ظن جعجع حينها ان الاحتقان الطائفي سيخوله تشكيل مرجعية مسيحية أولى تُحرج التيار الوطني الحر، وتجتاح الشارع البرتقالي، وتختصر القوى المسيحية الاخرى من حزب الكتائب الى حركة الاستقلال برئاسة النائب المستقيل ميشال معوض الى “المجلس التنفيذي لمشروع وطن الانسان” برئاسة النائب المستقيل نعمت افرام، الى مجموعات الثورة والمجتمع المدني، وكذلك جمهور تيار المستقبل حيث سمح لنفسه ان يتحدث عن “التحالف مع الاكثرية السنية” ما دفع قيادة المستقبل الى الرد بعنف عليه.
كان مخطط جعجع ان تشكل القوات اللبنانية بعد مجزرة الطيونة مظلة تجتمع تحت ظلها كل تلك القوى بما يمكنها من الحصول على اكثرية نيابية موصوفة تساهم في تعبيد طريق جعجع الى قصر بعبدا وتحقيق حلمه التاريخي بالوصول الى رئاسة الجمهورية.
بعد احتواء تداعيات أحداث الطيونة بضبط النفس ومنع الفتنة من قبل الثنائي الشيعي، ادركت القوات ان حسابات الحقل لم تتطابق مع حسابات البيدر السياسي والانتخابي، حيث سارع حزب الكتائب الى النأي بنفسه عن مخطط القوات، وكذلك النائب المستقيل ميشال معوض الذي باشر اتصالاته لتشكيل لائحته في دائرة الشمال الثالثة، بينما حرصت مجموعات من الثورة والمجتمع المدني الى الابتعاد عن القوات باعتبار انها كانت شريكة اساسية في التسوية الرئاسية وفي تقاسم المكاسب مع المنظومة السياسية، في حين تشير معلومات الى ان اختلافا جوهريا يفرض نفسه بين القوات وبين النائب المستقيل نعمت افرام واركان مشروعه.
ولم ينته الامر عند هذا الحد، اذ وبعد اعلان الرئيس سعد الحريري تعليق العمل السياسي مع تيار المستقبل وعدم خوض الانتخابات النيابية، انفجر الخلاف بين القوات والتيار الازرق واثار موجة غضب عارمة عليها في الشارع السني حيث من المتوقع ان يتنامى هذا التوتر السياسي بين الطرفين بأشكال مختلفة وان يستمر الى يوم الاستحقاق الانتخابي.
هذا الواقع دفع النائب جورج عدوان الى محاولة رأب الصدع مع هذه القوى من خلال التأكيد بأن لا يجوز للقوى السيادية ان تتلهى بالمعارك بين بعضها البعض لان ذلك قد يصب في مصلحة القوى غير السيادية، داعيا الى ان تخوض كل من هذه القوى معاركها الانتخابية وان تتلاقى في مجلس النواب لتشكيل كتلة نيابية كبيرة يكون لها تأثيرها السياسي.
كلام عدوان لم يبدل من حقيقة الامر وهي ان القوات بدأت تشعر بأن لا حليف لها في الساحة الانتخابية باستثناء الحزب التقدمي الاشتراكي وفي دوائر محددة، علما ان هذا التحالف يتناقض مع توجهاتها وتصريحاتها في عدم التعاون مع اي من اركان المنظومة السياسية، فضلا عن ان النشاط المطرد لمجموعات المعارضة والثورة والمجتمع المدني سيجعلها منافسا قويا تأكل من صحن القوات في كل الدوائر وربما تقلص من عدد نوابها، وما يزيد الطين بلة هو خسارة القوات مخزونا استراتيجيا من الاصوات السنية الزرقاء لطالما شكل لها رافعة في الاستحقاقات الانتخابية، حيث يبدو واضحا ان هذا المخزون سيُحجب في عن القوات وعن التيار الوطني الحر على حد سواء، وربما يذهب في اتجاهات عدة، وعلى الارجح ان يصب في مصلحة تيار المرده خصوصا ان سليمان فرنجية على الرغم من الخلاف السياسي الجوهري مع سعد الحريري الا انه كان أوفى معه من سمير جعجع الذي يتهمه المستقبليون بالغدر.
Related Posts