تكفي متابعة سريعة لردود فعل نوّاب وكوادر ومناصري الرئيس سعد الحريري وتيّار المستقبل بعد إعلان الحريري “تعليقه” العمل في الحياة السّياسية، وعدم ترشّحه هو أو أحد من تيّار المستقبل أو باسم التيّار، حتى يتبيّن حجم الإحباط الذي أصاب مناصري التيّار الأزرق، والصّدمة التي تسيطر عليهم، والبلبلة في صفوفهم.
لكن ردّ الفعل الأبرز داخل القلعة الزرقاء كان في الغضب والنقمة على حزب القوّات اللبنانية ورئيسه سمير جعجع، حيث انهالت الإتهامات على جعجع وحزبه من نوّاب ومنسقي وكوادر تيّار المستقبل، تتحدث عن أنّه “طعن” الحريري في الظهر، على خلفية ما تسرّب من معلومات سابقة عن جعجع تفيد بأنّه كان “الواشي” و”المحرض” الرئيسي ضد الحريري في السعودية، الذي ساءت علاقته بها على نحو دراماتيكي منذ تشرين الأول 2017 عندما احتجز فيها أسبوعين وأجبر على تقديم إستقالة حكومته قبل أن يعود عنها لاحقاً، وأنّ الوشاية والتحريض اللذين قام بهما جعجع ضد الحريري في المملكة، كانا العامل الرئيسي في نقمة الأخيرة عليه وقطع كلّ أشكال التواصل والدعم المالي والمعنوي والسّياسي عنه.
فعضو كتلة المستقبل النّائب وليد البعريني هاجم جعجع بحدّة، واتهمه باتخاذ “موقف خبيث يحاول فيه الظهور بمظهر الحريص والمحبّ لتيّار المستقبل، ولجمهور الرئيس الشّهيد رفيق الحريري ولعموم أهل السّنة في لبنان، ولكن الحقيقة بخلاف ذلك، وقد أثبتت الأحداث الماضية أنّه متورّط حتّى النخاع في طعن تيّار المستقبل ورئيسه”.
وزاد طين الإحتدام بين التيّار والقوّات حدّة ما أوحى به جعجع وإعلام حزبه وبعض مسؤوليه بأنّهم الطرف الأبرز الذي بإمكانه إستقطاب كتلة ناخبة سنّية وازنة من وسط تيّار المستقبل واستمالتها إليه، ما دفع منسق إعلام التيار عبد السلام موسى إلى الردّ على جعجع بأنّ “تيار المستقبل يُعلن تعليق المشّاركة بالإنتخابات، وجعجع مصرّ على مشاركتهم. عجبي!”، قبل أن يضيف معلّقاً: “كما ترانا يا حكيم نراك. إذا كان لك مكانة لدى جمهورنا فهي بفضل سعد الحريري، والمكانة اليوم لم تعد موجودة. عوضك على الله!”.
تطوّرات الأيّام الماضية على صعيد السّجال بين التيّار والقوّات، كشفت أنّ المرحلة المقبلة وصولاً إلى الإنتخابات النّيابية المقرّرة في 15 أيّار المقبل، ستشهد سجالات لن تتوقف بين الطرفين، وستكون مرتفعة السّقف وتصاعدية، وهي ستغطي على سجالات أخرى، كتلك التي حصلت أو يمكن أن تحصل بين حزب الله وتيّار المستقبل، والتيّار الوطني الحرّ وحركة أمل، والتيّار الوطني الحرّ والقوات، وتيّار المردة والقوات، إنطلاقاً من أنّ “جرح” الخلاف بين التيار والقوات ما يزال ينزف، وأنّه كشف أزمة ثقة عميقة كانت موجودة بينهما لم تنجح سنوات التحالف السابق في إخفائها.
هجمة تيّار المستقبل على القوّات التي يرجّح أن تستمر وتشتدّ في الأيّام المقبلة، وأن يُصفّي المستقبليون حساباتهم مع القوّات، من غير أيّ حدّ أدنى من المراعاة كون ليس لديهم ما يخسرونه بعد انسحاب زعميهم من المشهد السّياسي، ونيّتهم عدم المشاركة في الإنتخابات المقبلة، جعلت جعجع وقوّاته يصابون بحرج شديد، وخوف من إنقلاب كلّ الشّارع السنّي ضدهم، لأسباب تعود إلى أيّام اغتيال الرئيس رشيد كرامي عام 1987 وصولاً إلى اليوم، ما جعله يحاول ترطيب الأجواء، ويستنفر كلّ الوسطاء والسّفارات من أجل تخفيف وإيقاف الهجمة المستقبلية عليه، التي ستجعل حساباته الإنتخابية في تحقيق فوز كاسح يُمنّي النّفس به يجعل كتلته الأكبر على الصعيد المسيحي في مهبّ الريح.
Related Posts