لم يكن أشدّ المتشائمين بتراجع شعبية الرئيس سعد الحريري وتيّار المستقبل وبالوضع الصعب الذي يعاني منه التيّار الأزرق وزعيمه على كلّ الصّعد، يتوقع هذه النّهاية التي أعلن عنها الحريري أول من أمس، إلى حدّ جعل البعض ينظر إلى موقف الحريري في 24 كانون الثاني الجاري، على أنّه محطة مفصلية سيكون ما قبلها غير الذي بعدها.
منذ عودة الحريري إلى لبنان فجر يوم الخميس الماضي، وقبل ذلك بفترة، كانت تسريبات عدّة تصدر عن عدّة جهات، تتحدث عن أنّ الحريري سيقدم على العزوف عن الترشّح للإنتخابات النيابيّة المقبلة في 15 أيّار المقبل، قابلها نفي من هنا وهناك، الأمر الذي أصاب مؤيّدي الحريري وقاعدته الشّعبية بالإرباك والبلبلة، قبل أن يعلن الحريري نفسه في كلمة ألقاها من بيت الوسط أول من أمس، بأنّه قرّر “تعليق العمل بالحياة السّياسيّة، ودعوة عائلتي في تيّار المستقبل لاتّخاذ الخطوة نفسها، وعدم الترشّح للإنتخابات النيابية، وعدم التقدّم بأيّ ترشيحات من تيّار المستقبل أو باسم التيّار”.
أحدث قرار الحريري صدمة في الدّاخل اللبناني على مستويات عدّيدة، وطرح جملة تساؤلات حول تداعيات هذا القرار، بحاجة إلى وقت للإجابة عليها. ربما الأيّام المقبلة وحدها كفيلة بتوضيحها. من أبرز هذه الأسئلة:
أولاً: بالنسبة إلى الحريري نفسه، فإنّ السّؤال الأهم هو هل أنّ تعليق عمله بالحياة السّياسية وعدم ترشّحه للإنتخابات هو مؤقّت، ولهذه المرحلة فقط، أم أنّه قرار نهائي يعني اعتزاله العمل السّياسي نهائياً، وابتعاده عن لبنان وتيّاره بعد 17 عامّاً من دخوله معترك العمل السّياسي؟ لم تحمل كلمة الحريري أيّ إجابة واضحة وعمليّة عن هذا السؤال، سوى كلام عاطفي وعمومي لا “يتقرّش” في الحياة السّياسيّة اللبنانيّة.
ثانياً: بعدما أعلن الحريري عدم التقدّم بأيّ ترشيحات للإنتخابات النيابية المقبلة من تيّار المستقبل أو باسمه، ما يعني تعليق عمل التيّار أيضاً، وتجميد عمل المنسقيات والماكينة الإنتخابيّة للتيّار، تُرسم علامات إستفهام حول مدى إلتزام نوّاب التيّار الأزرق بالقرار المذكور، وكذلك مرشّحين كثيرين كانوا يمنّون النفس بدخولهم إلى “جنّة” لوائح التيّار في مختلف الدوائر. ومع أنّ نوّاباً أعلنوا بأنّهم لن يترشّحوا، معبّرين عن تضامنهم مع الحريري في خطوته، فإنّ نواباً ومرشّحين آخرين فضّلوا إمّا الصّمت، وإمّا الإفصاح عن أنهم سيترشحون وسيحملون مبادىء الحريري والتيّار، إنطلاقاً من أنّ إقفال بيوتهم السّياسية غير مسستاغ لديهم ولدى قواعدهم، ولأنّه لا يجب أن يتركوا السّاحة للفراغ وآخرين، سواء حلفاء أم خصوم.
ثالثاً: عنى موقف الحريري غياب المكوّن السّياسي السنّي الأول في لبنان عن مسرح الأحداث، وترك وراءه فراغاً ليس على مستوى السّاحة السنّية فقط، بل على المستوى الوطني أيضاً، إذ سيجد الأطراف السّياسيون الآخرون في البلاد أنفسهم، للمرّة الأولى منذ اتفاق الطائف ونهاية الحرب الأهلية، بلا شريك سني فاعل ووازن كتيار المستقبل، الذي ارتكب خلال العقود الثلاثة الماضية “خطيئة” تحجيم أو إلغاء قوى سياسية سنّية أخرى مناوئة أو حتّى حليفة له، ما أفقد السّاحة السنّية والوطنية التوازن في بلد شديد الحساسية من النّاحية الطائفية والمذهبية، وترك خلفه خللاً لن يكون إصلاحه سهلاً وقريباً.
Related Posts