شكل قرار حركة أمل وحزب الله بالعودة الى المشاركة في أعمال مجلس الوزراء، خطوة وطنية إيجابية ساهمت في إنفراج على الصعيد السياسي وإنعكست على الأسواق المالية حيث تراجع سعر صرف الدولار نحو ثمانية آلاف بعدما بلغ سقف الـ 33 ألفا، كما من شأنها أن تعيد الانتظام العام الى البلاد مع إعادة تفعيل العمل الحكومي الذي سيكون أمامه الكثير من شبه الملفات الجاهزة لاقرارها ووضعها موضع التنفيذ.
لا يبدو أن عودة الثنائي الشيعي الى مجلس الوزراء مشروطة، خصوصا أن البيان الصادر عنه ربط هذه العودة بعنوانين: الأول الموازنة العامة التي من المفترض أن يقدمها وزير المال في غضون أيام لمناقشتها في مجلس الوزراء والموافقة عليها ومن ثم إرسالها الى مجلس النواب لاقرارها تمهيدا لتقديمها الى صندوق النقد الدولي للمباشرة بالمفاوضات التي يعول عليها لبنان الكثير، والثاني خطة التعافي الاقتصادي وهو عنوان فضفاض يدخل ضمنه كل الملفات الحياتية من الكهرباء الى المساعدات الاجتماعية لموظفي القطاع العام، الى مساعدات العائلات الأكثر فقرا الى البطاقة التمويلية وصولا الى معالجة الأزمات المفتوحة..
على مدار ثلاثة أشهر من التعطيل، لم يُضيّع الرئيس ميقاتي الوقت في سجالات وتجاذبات، بل حوّل السراي الحكومي الى خلية نحل من الاجتماعات الوزارية الهادفة الى تسيير شؤون المواطنين وتجهيز العديد من الملفات المتعلقة بمعيشتهم وهي اليوم باتت شبه جاهزة وتحتاج الى عرضها على طاولة مجلس الوزراء لاقرارها، فضلا عن تصديه لأي محاولة كان من شأنها أن تهدد الحكومة من الداخل، ولكل ما يمكن أن يسيء الى علاقات لبنان مع الدول العربية والخليجية وفي مقدمتها السعودية.
يبدو واضحا، أن الثنائي الشيعي وصل الى قناعة بأن عدم المشاركة في مجلس الوزراء لم تعد تجدي نفعا، خصوصا بعد فتح الدورة الاستثنائية لمجلس النواب، وتوقف التحقيق في قضية مرفأ بيروت بفعل الدعاوى المرفوعة على المحقق العدلي طارق البيطار والتي تحتاج الى وقت للبت فيها، وأيضا في ظل تنامي الأزمات التي بلغت منحى خطيرا جدا، وما يرافقها من إتهامات بالتعطيل، ومحاولة البعض الاستفادة من موقف الثنائي لتحقيق مكاسب إنتخابية وشعبية لا سيما في الشارع المسيحي، ما أدى الى إتخاذه هذا الموقف الايجابي الذي قطع الطريق على كل المصطادين بالماء العكر.
لم يكن سهلا على نجيب ميقاتي مواجهة ضغط تعطيل عمل مجلس الوزراء، لكن الرجل المشهود له بتدوير الزوايا وبالهدوء والصبر والعناد الهادئ، نجح في إجتياز الامتحان الصعب، وفي إقناع المعنيين بالعودة الى مجلس الوزراء وهو الذي لم يترك مناسبة إلا وأظهر فيها سلبيات المقاطعة وإنعكاساتها الكارثية على لبنان.
ولعل أهم ما حققه ميقاتي في الاطار، هو أن العودة الى تفعيل العمل الحكومي تمت من دون أي صفقة سياسية أو تسوية قضائية، وقد كانت موافقه واضحة لا لبس فيها، حيث رفض تدخل الحكومة في عمل القضاء ورفض ضرب المؤسسات الدستورية، ورفض ضرب الميثاقية في مجلس الوزراء وواجه كل الضغوطات الرامية الى دفعه لعقد جلسة للحكومة بمن حضر، ورفض إستفزاز أي مكون سياسي، كما حافظ على العلاقة مع رئيس الجمهورية ميشال عون، وعلى العلاقة مع الرئيس نبيه بري، وقبل كل ذلك، فقد حافظ ميقاتي على الحكومة التي تُعتبر الفرصة الأخيرة لانقاذ لبنان ومنعه من الانهيار التام.
Related Posts