هناك مثل شعبي يقول: ″الرزق الداشر يعلّم الناس الحرام″. (والرزق الداشر هو الأرزاق والممتلكات التي ليس لديها من يملكها، أو أن أصحابها لا يعيرونها اهتماماً).
هذا الوضع وللأسف الشديد جداً، ينطبق على بلد أسمه لبنان تم ذكره سبعين مرة في الكتب السماوية، ونال استقلاله قبل سبعة عقود ونصف، ويتغنى أبناؤه بالحرية والسيادة والاستقلال فجراً وصبحاً وظهراً ومساء وليلاً، ولكن في حقيقة الأمر، هو بلد تحوّل إلى بلد متاح للجميع بدون أية ضوابط أو محرمات، ومنكوب بسبب صراعات مسؤوليه وسياسييه التي لا حدود لها، والذين على ما هو ظاهر لن يستطيعوا الخروج من شرنقة مصالحهم التي لا تتعدى جيوبهم الفضفاضة.
مناسبة هذا الاستنتاج هو ما بثته إحدى المحطات الإذاعية المحلية على أثيرها ووزعته عبر وسائل تواصلها الإجتماعي الأسبوع الفائت، وتضمن الآتي: “أجرت السفارة الأميركية استطلاع رأي شمل كل الدوائر اللبنانية لحسم خيارات مرشحي “المجتمع المدني”، ومحاولة تجميعهم في لوائح موحدة تحاكي تجربة “بيروت مدينتي” البلدية. وبيّنت نتائج الاستطلاع تقدماً لوجوه “المجتمع المدني” المعروفة تلفزيونياً من إعلاميين أو فنانين شاركوا في التظاهرات”.
خبر مرّ مرور الكرام على العديد من المستمعين والقراء بإعتباره لا يقدم ولا يؤخر في ما يعانيه اللبنانيون من أزمات تتقاطر من جميع الجهات، من منطلق قول بعض المتابعين: “هل توقف الأمر على هذا الإهتمام الإنتخابي؟ فالبلد يعج بشبكات التجسس من جميع الألوان والقارات والبلدان، والتدخل بشؤوننا يشمل العديد من الحكومات والحكام”!
قد يجيبه متابع: “صحيح جداً ما تقوله يا صديقي، فإن تقوم بعمل مستتر شيء، وأن تجاهر بما تقوم به (وعلى رأس السطح) أمر آخر”. فالقول المأثور يتضمن: “إن إبتليتم بالمعاصي فاستتروا”. أما أن تجاهر سفارة بأنها تقوم باستطلاعات رأي من اجل إنتخابات داخلية، فبالتأكيد أن كثيرين سيصفونه بتعابير عالية السقف أقلها “الوقاحة المطلقة”!
فإذا كان المبدأ الديبلوماسي بين الدول يقوم على تعبير: “المعاملة بالمثل”. فهل تسمح حكومة تلك السفارة لسفير لبنان لديها بمراجعة أي مسؤول في الدولة بدون علم وزارة الخارجية والمغتربين؟ وهل تسمح حكومة اي ولاية من ولايات تلك السفارة لأي قنصل لبناني بمراجعة دوائرها بدون أخذ إذن من الجهات المختصة؟
في الغابر من السنوات وعندما كان في لبنان دولة تستطيع إحترام نفسها، كان كبار مسؤوليها ووزراء خارجيتها يضعون الشروط التي يرونها مناسبة للحفاظ على كيانية الدولة وحضورها العالمي من أجل الإجتماع به، أو الاستماع إلى طروحاته. أما اليوم فنكاد نسمع كل يوم توبيخاً أو تأنيباً أو تهديداً للمسؤولين عندنا بدون أن يرف لأحد جفن. والأمر لم يعد يتعلق بإجراء استفتاء انتخابي من هذه السفارة أو تلك!..
Related Posts