رؤية العالم للبنان: بلدٌ فاشل… عبد الكافي الصمد

إزدحمت الأيّام الأخيرة من العام الماضي 2021 والأيّام الأولى من الجديد 2022 بمجموعة كبيرة من الدراسات والتحليلات حول واقع الوضع الإقتصادي والمعيشي في لبنان، والمستقبل الذي ينتظره، غلب عليها طابع التشاؤم لجهة الصعوبات التي سيعانيها البلد في المرحلة المقبلة، في ضوء الإنهيار الذي يعيشه منذ أكثر من سنتين، وغياب أيّ معالجة أو بوادر للحلّ.

هذه الدّراسات والتحليلات نشرتها مراكز عالمية متخصّصة وخبراء ملمّون بالواقع في لبنان بكلّ تفاصيله، ومطلعين على مشاكله العديدة، حرصوا على إيراد أرقام دقيقة عن كلّ ما له علاقة بالمجاليّ المالي والإقتصادي، لتأكيد طروحاتهم وشروحاتهم والنتائج التي خرجوا بها.

وأكدت هذه الدراسات والتحليلات صحّة توقّعات كثيرة حول مستقبل البلد القاتم في المراحل المقبلة، نظراً لعمقها وجدّيتها بعيداً عن السطحية التي حفلت بها مواقف قوى وأحزاب وتيّارات سياسية، أكّدت في خلاصتها أنّ أزمة لبنان عميقة ومتجذّرة ومعقدة، وأنّها تحتاج إلى سنوات من الإصلاحات والعمل والشفافية قبل بدء الخروج من أزمة أسهمت في انهيار وتداعي مقومات البلد تباعاً.

فقد رأت بعض هذه الدراسات والتحليلات أنّ “ما يواجهه لبنان حالياً ليس إنخفاضاً كارثياً في مستويات المعيشة فحسب، وإنّما يواجه حقيقة أنّه لن يكون قادراً بعد الآن أبداً، على ما يبدو من مؤشّرات، أن يعود إلى نفس المكان الذي احتله في السّابق في التقسيم الدولي للعمل، على خلفية أزمة مالية إقتصادية عالمية، يتم خلالها بناء أهرام ديون عملاقة (بالعملات الصعبة كالدولار واليورو والين والجنيه الإسترليني)، لم يسبق لها مثيل في تاريخ العالم، وبكميات لا تصدق، وانهيارها ليس سوى مسألة وقت”.

واعتبرت دراسات وتحليلات أخرى أنّ “سقوط مستوى معيشة اللبنانيين إلى هذا العمق من التردي، يعود إلى أنّ تدفّق العملة الأجنبية من الخارج سينخفض بدرجة كبيرة، ولن يكون قادراً على تعويض عجز التجارة الخارجية بنفس الدرجة”.

وأشارت هذه الدّراسات والتحليلات إلى أنّه “في عام 2019 (أيّ العام الذي بدأ فيه الإنهيار فعلياً بعد اندلاع حَراك 17 تشرين الأول من ذلك العام) بلغت صادرات لبنان 3.7 مليار دولار، بينما بلغ حجم الإستيراد 19.2 مليار دولار، ما يعني بأنّ عجز التجارة الخارجية بلغ 15.5 مليار دولار، وهو أفضل نسبياً ممّا كان عليه قبل عام (17 مليار دولار). لكن الآن لن يتمكن لبنان من دفع ثمن هذا الإستيراد، وفي حالة التخلّف عن السداد والتدهوّر في النّظام المالي، سوف ينخفض حجم الإستيراد نظرياً إلى حجم الصادرات. علاوة على ذلك، سوف تنخفض الصادرات اللبنانية، في ظلّ الظروف الراهنة للحجر الصحّي العالمي وانهيار الإقتصاد العالمي، وبالتالي فإنّ انخفاض الواردات ونقص السّلع في لبنان سوف يكون أكبر، وخصوصاً الأساسية والإستراتيجية منها كالحبوب، التي ينتج لبنان 20 في المئة فقط من استهلاكه منها، فضلاً عن أنّ نفقات لبنان في العام 2018 بلغت 16.4 مليار دولار، مقابل إيرادات بلغت حوالي 10 مليارات دولارات، أيّ أنّ العجز بلغ 6.4 مليار دولار”.

ما سبق يعني ببساطة أنّ لبنان تحوّل إلى “دولة فاشلة”، وأّنه نظراً لانخفاض قيمة الليرة اللبنانية، تواجه الحكومة خياراً بين التخلّي عن إلتزاماتها تجاه المواطنين ومحاولة إنقاذ المصارف اللبنانية، وبين بدء ضخّ حجم ضخم من الأموال غير المغطّاة، وهو ما يُهدّد بالتضخّم المُفرط. وكلا الخيارين كارثيان في نتائجهما الإجتماعية.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal