مهّدت الهيئة العامة لمحكمة التمييز برئاسة رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود الطريق أمام عودة المحقق العدلي طارق البيطار لاستئناف عمله في ملف إنفجار مرفأ بيروت، وذلك بردها الدعاوى المقدمة من رئيس الحكومة السابق حسان دياب والنواب نهاد المشنوق وعلي حسن خليل وغازي زعيتر لمخاصمة الدولة عن الأخطاء الجسيمة التي إرتكبها البيطار بحقهم وألزمت كلا منهم بدفع تعويض قيمته مئة مليون ليرة للدولة اللبنانية بدل عطل وضرر، إضافة الى رد دعوى الارتياب المشروع التي قدمها الوزير السابق يوسف فنيانوس من قبل محكمة التمييز الجزائية برئاسة القاضية رندا كفوري وأبقت الملف في يد البيطار.
يرى بعض الحقوقيين أن تغريم كلا من دياب والمشنوق وخليل وزعيتر بدفع مبلغ مليون ليرة لصالح الدولة اللبنانية كعطل وضرر يدل على أن الدعاوى المقدمة لمخاصمة الدولة لا تتوفر فيها الشروط المطلوبة، لذلك فهي أضرت بالتحقيق وأظهرت عدم إحترافية قانونية، خصوصا أن مخاصمة الدولة تكون عندما يحجب القاضي حقا عن مدعٍ فيلجأ الى طلب إحقاق الحق والتعويض عن التأخير الذي حصل، ولا يكون بمجرد طلب إستدعاء أو إستماع أو حتى إدعاء.
يمكن القول، إن مسار الهيئة العامة لمحكمة التمييز يتجه نحو رد كل الدعاوى المقدمة لمخاصمة الدولة، خصوصا أن الاجتهادات التي إعتمدت في دعاوى رئيس الحكومة السابق والنواب الثلاثة قد تُعتمد نفسها في الدعاوى الباقية، ما من شأنه أن يعيد ملف القضية بالكامل الى يد القاضي البيطار.
يبدو من قرارات الهيئة العامة لمحكمة التمييز أنها تتلاقى مع رغبة رئيس الجمهورية ميشال عون الذي يريد إبقاء القاضي البيطار، علما أنه ليس من حق أي سلطة من السلطات التدخل بهذا الملف أو الاعلان عن رغبتها بابقاء البيطار أو عزله، لأن منطق رجال الدولة يكون بالنأي بالنفس وعدم التدخل بالقضاء بل بإفساح المجال أمامه لمعالجة مشاكله وتنقية نفسه بنفسه.
التمهيد لعودة البيطار، من شأنه أن يبقي حزب الله على موقفه التصعيدي منه والداعي الى عزله، كما قد يمدد تعطيل الحكومة التي يربط الثنائي الشيعي عودة وزرائه إلى طاولة مجلس الوزراء بانهاء ملف المحقق العدلي، علما أن هامش التسويات بدأ يضيق، وربما يُنتج توترات لن تكون في مصلحة أحد.
في غضون ذلك يشدد متابعون على ضرورة البت بمصير الأشخاص الموقوفين في هذه القضية، والاسراع في إصدار القرار الظني لعدم منح شركات التأمين المزيد من الوقت للتهرب من إلتزاماتها، وحماية أهالي الشهداء من الارهاب العاطفي الذي يمارس عليهم في كل مرة والذي يكاد يفقدهم ثقتهم بالدولة والقضاء.
ويتخوف هؤلاء من السير في هذه القضية الى النفق المظلم، محذرين من أن يتحول ملف مرفأ بيروت الى فتيل قد يشتعل في أي لحظة، وإذا كان الاعتراض على ما سُمّيَ باستنسابية القاضي بيطار قد أسفر عن مجزرة الطيونة، فإن عرقلة التحقيق بهذا الشكل قد يؤدي الى ما هو أخطر.
هذا التخوف يطرح سلسلة تساؤلات لجهة: هل يُعطى القاضي البيطار فرصة أخيرة للقيام بواجبه القضائي بشكل يمنع عنه تهمة الاستنسابية؟ وهل يتابع الملف بواقعية أكثر فيدعي على المسؤولين الحقيقيين ويُفرج عن المظلومين وينصف المفجوعين؟، أم أننا سنبقى أمام دعاوى ورد دعاوى وتعطيل للقضاء وللحكومة معا، وصولا الى آخر الدواء الذي يكون بتقليص صلاحيات البيطار لمصلحة المحكمة العليا لمحاكمة الرؤساء والوزراء عندها يوضع المحقق العدلي أمام خيارين فإما أن يكمل السير بالملف بمن حضر، أو أن يترك هذا الملف لقاض جديد؟..
Related Posts