عندما ينهار النظام في أي بلد من السهل استبداله بنظام آخر قد يكون أسوأ أو أفضل.
وإذا إنهار الإقتصاد او المنظومة المالية يمكن إعادة التكوين وفق اسس مختلفة خلال مهل معقولة إذا وجدت الإرادة والتصميم. لكن عندما يقف القضاء في أي دولة على شفير فقدان الثقة فمعنى ذلك أن المجتمع سيدخل في النفق المظلم.
من هذا المنطلق، وعلى هامش الحرب العالمية الثانية الأكثر دموية في الحروب، والتي وصلت تقديرات خسائرها إلى حدود خمسة وثمانين مليون قتيل، دفعت أحد أبرز القادة السياسيين على هامش الحروب العالمية رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل إلى القول: “أهون علينا أن نخسر الحرب من أن يخسر القضاء البريطاني هيبته”!
مناسبة هذا الكلام هو ما تعيشه الدولة اللبنانية من ظروف صعبة وأزمات منذ سنتين دفعت رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى توقّع الوصول إلى جهنم، ولكن رغم كل تلك المآسي كان اللبنانيون يراهنون على أن هناك أملاً بان يستعيد الوطن زمام المبادرة، أو أن يتوصل سياسيون إلى مخارج مقبولة. لكن أن يرى اللبنانيون أن هناك مواقع في القضاء تتبادل التجاذبات وإصدار القرارات التي تُسقِط بعضها البعض فذلك يعني أننا سنتخطى جهنم.
من المألوف ان يتبادل السياسيون الإتهامات باستهداف القضاء إبان تفجير مرفأ بيروت أو أحداث الطيونة الدامية، لكن أن تصل الإنتقادات إلى أحد أبرز المرجعيات الروحية في لبنان فتعمد إلى التصويب على التقويم القضائي وعلى أداء بعض القضاة، فذلك يعني بوضوح أن هناك حلقات مفقودة يجب التفتيش عنها وحولها لإعادة الأمور إلى نصابها بالحد الأدنى.
ليس على سبيل المصادفة، وبعد سلسلة من المشارورات المباشرة مع كبار المسؤولين، أن يلجأ البطريرك الماروني بشارة الراعي في أحدث عظة له إلى توجيه الإنتقادات اللاذعة للقضاة. فتلك سابقة لم تلجأ إليها بكركي في أي ظرف من الظروف، حيث ابدى البطريرك الماروني بشارة الراعي أسفه “لأن يتعطّل عمل القضاء مع تعطيل الحكومة”. وكان قاسياً جداً في توصيفه أنّ “بعض القضاة يعزّزون الشك بالقضاء من خلال مشاركتهم في تعطيل التحقيق في تفجير المرفأ أو تعليقه أو زرع الشك في عمل المحقق العدلي”.
وإستغرب في عظة الأحد الفائت السياق الذي إنحدرت إليه ما كان يُعتبر ثوابتاً فقال: “أمام ما نرى من تجاوزات قانونية نتساءل هل أصبح بعض القضاة عندنا غبّ الطلب لدى بعض المسؤولين والأحزاب؟.
في مفاهيم الدول الديمقراطية يبقى القضاء هو الملجأ الحصين للمواطنين من أجل إيصالهم إلى حقوقهم طالما أنه ينطلق من مبدأ: “العدل أساس المُلك”، وإلا فإن الهيكل يصبح جاهزاً للإنهيار على رؤوس الجميع، عندما تعم الفوضى ويصبح الحق في يد من لديه القوة!.
Related Posts