ليس مجرد تفصيل بسيط أو خبر عادي ذاك الذي أشارت إليه مصلحة الأبحاث العلمية الزّراعية، يوم أمس في تقرير لها، من أنّ “الإحتباس الحراري الذي تراجع قليلاً خلال جائحة كورونا، قد عاد الآن إلى وضعه السّابق الخطير، وبأنّ التغيير المناخي يصيب العالم بأكمله”، خلال السّنوات الـ30 المقبلة، محذّرة من أنّ لبنان “مُعرّض لنقص في الأمطار والثّلوج مع ارتفاع في درجات الحرارة، وبالتالي نقصٌ في المياه”.
هذا التحذير جاء وثلث فصل الخريف قد مضى، وكأنّ لبنان ما يزال في فصل الصيف، فلا شهر أيلول كان طرفه “بالشتي” مبلول كما يقول المثل الشّائع إلا بشكل خجول، ولا الأمطار التي كانت تهطّل عادة في شهري تشرين الأوّل والثاني قد هطلت هذا العام، إذ أنّ “الصيف الثاني” الذي يعرفه اللبنانيون بين التشرينين قد امتد طويلاً، بلا أيّ فاصل، ونشرات الأخبار الجوّية حول تطوّرات الطقس والمناخ لا تُبشّر بهطولات خلال الأيّام العشرة المقبلة إلّا على شكل رذاذ، ما انعكس ضرراً واسعاً على المواسم الزّراعية التي بدأت آثار العطش والجفاف تظهر عليها، وخصوصاً موسمي الزيتون والحمضيات، فضلاً عن بقية المواسم.
تأخّر هطول الأمطار وتساقط الثلوج إلى هذه الأيّام يعني بأنّ لبنان مقبلٌ على أزمة نقص حادّة في المياه في السّنوات المقبلة، وهو ما بدأت بعض مصالح المياه في لبنان، ومنها مصلحة مياه بيروت وجبل لبنان تشير إليه وتحذّر منه، داعية المسؤولين وكذلك المواطنين إلى اتخاذ إجراءات وتدابير سريعة للحدّ من تداعيات هذه الأزمة المرتقبة، واحتواءها قبل وقوعها.
هذه التحذيرات ردّتها مصلحة الأبحاث العلمية الزّراعية إلى ارتفاع مرتقب في درجات الحرارة بحدود 4 درجات مئوية خلال السّنوات المقبلة وصولاً إلى عام 2050، معتبرة أنّ “هذا أمر مدمّر للعالم بأكمله على البشرية والزّراعة والمحيطات والجليد والثلوج والغطاء الأخضر والتواجد الحيواني العالمي. أيّ أنّ مصادر المياه العذبة والغذاء في خطر شديد لتأمين حاجة البشرية جمعاء”.
وتوقفت المصلحة عند الكلام الكثير الذي قيل في قمّة المناخ التي عقدت مؤخّراً في اسكتلندا، والإجراءات التي أعلن المجتمعون بأنّها ستتخذ للحدّ من إنبعاثات الغازات والإحتباس الحراري، فأشارت إلى أنّ “العبرة في التغير الذي لم يكن بحسب المتوقع منذ بدء قمم العالم عن المناخ”، قبل أن تشير إلى أنّها ـ أيّ المصلحة ـ تقوم بدراسات عن إدارة المياه وتأثير التغيّر المناخي على النباتات، إضافة إلى تقارير عن التلوّث، وسيصدر تقرير بهذا الخصوص أواخر العام الجاري.
كلّ ذلك يحصل في لبنان الذي واحداً من البلدان العربية القليلة وبلدان الشّرق الأوسط الذي يُصنّف على أنّه لا يعاني من عجز في تأمين مياه الشّرب والريّ، نظراً إلى معدل هطولات الأمطار فيه، وكميات الثّلوج المتساقطة فوق جباله وقممه والتي تزوّد مصادر المياه والأنهر بمخزونها الجوفي الذي يُعدّ الأكبر في الشّرق الأوسط، ما يُفسّر كثرة وجود ينابيع المياه فيه، لكنّها للأسف إمّا تذهب هدراً في الأودية والبحر، أو أنّها ملوثة (نهر اللطياني وبحيرة القرعون نموذجا)، ما جعل هذه النعمة تتحوّل إلى نقمة لأنّ اللبنانيين لم يحافظوا عليها كما يجب، والدولة الغائبة لم تضع خططاً وبرامج ومشاريع للحفاظ عليها والإستفادة منها (سدّ بريصا وسدّ المسيلحة كنموذجين واضحين في الفساد وعدم وجود رؤية إستراتيجية) باعتبارها ثروة تعادل النّفط والمعادن الثمينة، وحتى أكثر.
Related Posts