يُدرك رئيس الحكومة نجيب ميقاتي حجم التصدع الحاصل في هيكل الدولة والذي أضيف إليه تداعيات 13 شهرا من الفراغ القاتل ومن التخلي الوزاري عن المسؤوليات، ما وضع أقساما من هذا الهيكل على حافة الانهيار، كما يُدرك صعوبة المهمات الانقاذية الملقاة على عاتقه والتي تحتاج الى تضافر جهود الجميع إنطلاقا من المسؤولية الوطنية في وضع لبنان على سكة التعافي الاقتصادي والمالي والاجتماعي.
يقود ميقاتي ورشة عمل متعددة الاتجاهات حولت السراي الحكومي الى خلية نحل تنشط على مدار الساعة حيث تعقد اللقاءات والاجتماعات وتوضع الخطط والدراسات، ويجري الاتصال والتواصل محليا ودوليا لتأمين الدعم المطلوب وقد ترجم ذلك أمس باستقبال سفراء الاتحاد الأوروبي الذي سبق وأعلن إستعداده للدخول بشراكة مع لبنان لتحريك عجلة الاقتصاد، وكل ذلك بهدف وضع الآليات التنفيذية للبيان الوزاري لحكومة “معا للانقاذ” للبدء بمعالجة الملفات الواحد تلو الآخر، وإعادة تثبيت مداميك الدولة وإطلاق عمل أجهزتها وإداراتها ومؤسساتها بعد شلل قسري فرضته الظروف الصعبة التي إجتاحت لبنان.
يمكن القول، إن الحكومة بدأت خطواتها العملية على خطين، الأول التفاوض مع صندوق النقد الدولي الذي تواصل معه الرئيس ميقاتي عبر رسالة طلب فيها رسميا الانطلاق بالتفاوض من خلال اللجنة التي شكلها مجلس الوزراء، على أن يترافق ذلك مع تكثيف الاجتماعات للهيئات المعنية من وزارة مالية ومصرف لبنان وجمعية مصارف لتوحيد الارقام وتحديد حجم الخسائر، ودرس هيكلية المصارف وحجم القطاعين العام والخاص، حيث من المفترض أن تنتهي المرحلة الأولى مع نهاية العام الحالي، على أن يترافق ذلك أيضا مع إقرار مجلس النواب لقانون “الكابيتال كونترول” ليسلك طريقه مطلع العام الجديد، والبدء بتنفيذ شروط الصندوق التي لم تعد بعيدة عن الواقع اللبناني.
أما الخط الثاني، فهو إعادة تسيير المرافق العامة وتأمين وصول الموظفين إليها لتقديم الخدمات للمواطنين الذين تعطل تواصلهم مع دولتهم خلال الفترة الماضية، لذلك فقد طلب الرئيس ميقاتي من وزير المالية يوسف خليل رفع بدل النقل للموظفين وصرف منح إجتماعية مؤقتة لا تدخل في صلب الراتب، وإعداد مرسوم لمجلس النواب لتأمين الاعتمادات المالية من إحتياطي الموازنة أو عبر سلفة خزينة.
كما شكلت الحكومة تسع لجان برئاسة ميقاتي وفي حال غيابه يترأسها نائبه سعادة الشامي، وكلها تندرج في إطار الاصلاحات التي من شأنها إعادة إحياء حضور الدولة ومؤسساتها، وإنجاز بعض المشاريع التي تساهم في خطة التعافي الاقتصادي، وهي:
ـ لجنة دراسة موضوع تزويد الأجهزة الأمنية والعسكرية بحركة الاتصالات الكاملة.
ـ لجنة دراسة التوصيف الوظيفي في إطار هيكلية الإدارة ودراسة موضوع إلغاء المؤسسات العامة والمصالح المستقلة وآلية التعيينات في الإدارات والمؤسسات العامة.
ـ لجنة متابعة عودة النازحين السوريين إلى بلدهم بأمان وكرامة.
ـ لجنة قطاع الكهرباء.
ـ لجنة قطاع الاتصالات.
ـ لجنة دراسة موضوع معالجة النفايات المنزلية الصلبة وتحديد مواقعها ومراكزها.
ـ لجنة إعداد تصوّر عام لتوحيد الاستفادة من تقديمات صناديق التعاضد كافّة لا سيما المساعدات المرضية، والاستشفاء والأدوية، وفي حال الوفاة، ومنح الزواج والولادة والتعليم.. ـ لجنة دراسة تأهيل وتشغيل مطاري رينيه معوض في القليعات ومطار رياق.
ـ لجنة معالجة تداعيات الأزمة المالية على سير المرفق العام.
لا يختلف إثنان على أن الحكومة لا تمتلك عصا سحرية لحل الأزمات دفعة واحدة، كما أن حجم الاهتراء الحاصل يتطلب الكثير من الجهد ومن الوقت لاعادة الترميم وظهور النتائج.
وبحسب مراقبين، فإن الحكومة لا يمكن أن تترك في الميدان بمفردها، بينما يتحين البعض الفرص لاستهدافها والنيل منها، خصوصا أن مهمة الرئيس ميقاتي إنقاذية بإمتياز وتتجاوز كل التجاذبات والصراعات السياسية، لذلك فإن نجاحها سيكون نجاحا للجميع، وما دون ذلك ستكون تداعياته كارثية وسيقضي على الآمال التي بدأ اللبنانيون يعلقونها على الآداء الايجابي لهذه الحكومة.
Related Posts