لطالما شهدت الساحة اللبنانية نماذج سياسية يحرص أصحابها على أن يكونوا “ملكيين أكثر من الملك”، فيبالغون بالمزايدات وإظهار الحرص والخوف أكثر بكثير من أصحاب العلاقة أنفسهم، وذلك بهدف تنفيذ أجندات أو تسجيل نقاط أو تحقيق مكاسب ومصالح سياسية معينة.
يبدو واضحا اليوم أن كثيرا من هؤلاء يزايدون على الرئيس المكلف نجيب ميقاتي في قضية الاعتذار، فيشكون وينعون ويدقون نواقيس الخطر ويفبركون المعلومات، وذلك في محاولة للضغط على ميقاتي وإشاعة أجواء سلبية وتيئيسية حوله، لدفعه الى تقديم الاعتذار الذي أعلن صراحة في لقائه التلفزيوني الأخير مع قناة “الحدث” أنه ليس موجودا على مفكرته اليوم، لكن في الوقت نفسه فإن المهلة ليست مفتوحة.
وحده نجيب ميقاتي يمتلك قرار الاعتذار أو قرار الاستمرار في التكليف لتشكيل الحكومة، وأن أي خطوة سيقدم عليها في هذا الاطار ستكون على توقيته ووفق رؤيته البعيدة عن الأجواء التشاؤمية التي يبثها المتضررون من نجاح مهمة الرئيس المكلف.
حتى الآن، لا يبدو في أفق الرئيس ميقاتي أي إعتذار، ما يجعل كل الكلام عن هذا الموضوع والاجتهادات والتحليلات مجرد مادة للاستهلاك لا أساس لها من الصحة، ومن يعرف الرئيس ميقاتي يعي تماما تقديمه المصلحة الوطنية على كل ما عداها، وطالما أن هذه المصلحة تقتضي تشكيل الحكومة، وطالما أن الأمور ما تزال قابلة للنقاش مع رئيس الجمهورية فإن الاعتذار يبقى غير وارد.
لا شك في أن الرئيس ميقاتي إرتضى التكليف لكي يؤلف وليس ليعتذر، وهو منذ اليوم الأول أشار الى أن لا أحد يمتلك أن يحدد له مهلة للتأليف أو أن يملي عليه شروطا، كما أنه لا يقيد نفسه بمهلة زمنية، علما أن البديل عن التأليف هو الانهيار الكامل الذي لا يريده أحد لا داخليا ولا خارجيا، وأيضا فإن هذا التوجه مدعوم عربيا ودوليا ومرتبط بمساعدات كبرى تنتظر أن تبصر الحكومة النور.
من هنا، فإن ميقاتي لا يريد تأليف تشكيلة حكومية بمعنى أن “من كل واد عصا”، بل يريد تأليف فريق عمل وزاري متخصص متجانس قادر على الانقاذ، ويسعى من خلال ما يقوم به الى تطبيق الدستور ومحاكاة تطلعات الشعب اللبناني الذي يحرص على نيل ثقته، بأن يشكل حكومة نجيب ميقاتي وليس حكومة أي شخص أو تيار آخر كونه وحده يتحمل نتيجة عملها، بينما الفريق المعطل في بعبدا، يريد فرض شروطه عليها ولا يريد أن يتحمل أية مسؤولية. وأن تكون حكومته بعيدة عن المحاصصة ويتقدم فيها الولاء للوطن على كل ما عداه، وأن يطرح أمام رئيس الجمهورية كل الأسماء مسيحية كانت أو إسلامية من أجل التوافق حولها، وأن يقدم حكومته الى مجلس النواب ويطرح بيانها الوزاري أمامه وينال الثقة على أساسه لتبدأ إجتماعاتها التي يترأسها رئيس الجمهورية في حال حضوره.
لا يختلف إثنان على أن الرئيس ميقاتي يواجه صعوبات واضحة في عملية التأليف إنطلاقا من الذهنية التي يتعاطى بها الرئيس ميشال عون وفريقه السياسي في هذا الملف، كما لا يختلف إثنان على أنه يتمتع بقدرة فائقة على تدوير الزوايا وتحويل السلبيات الى إيجابيات، لذلك وبحسب المعلومات المتوفرة فإنه لغاية اليوم ما يزال الاصرار على التأليف يتقدم على الاعتذار الذي لن يكون طالما أن في الأفق إمكانية للوصول الى قواسم مشتركة بين ميقاتي وعون تساهم في ولادة الحكومة، خصوصا أن الأزمات التي تتوالد في البلاد والفوضى الأمنية التي بدأت تطل برأسها من أماكن عدة وبأشكال مختلفة تنذر بأن الاعتذار سيؤدي الى تفجير الوضع على كل المستويات وهذا ما لا يريده ميقاتي لأن أحدا لن يستطيع تحمل تداعياته الكارثية.
مواضيع ذات صلة: